لم تكن الملكة الأردنية، المعروفة بأفكارها الليبرالية ودعمها للمشاريع الرامية إلى مكافحة التطرف الديني، تتوقع أن تكون رأس حربة في مشروع إعلامي يهيمن عليه الإخوان، وتدعمه قطر من تحت الستار أو فوقه، وهو موقع "هافنغتون بوست" الذي يتولى رئاسة تحريره الإعلامي العربي الشهير وضاح خنفر المدير السابق لقناة الجزيرة الإخبارية. وكانت الملكة رانيا العبدالله قد كتبت الافتتاحية التي ظهر بها الموقع في يومه الأول، ما زاد حماسة أهل المهنة، والقراء، لهذا المولود الإعلامي الجديد، وذلك بسبب السمعة المهنية اللافتة التي تتمتع بها النسخة الإنجليزية من الموقع، ما جعله واحداً من أهم المصادر الإعلامية بعيدا عن عالم الأحبار والورق. وقالت الملكة في مقالتها والتي جاءت بعنوان ميزان المرء ان "العالم اليوم في أمس الحاجة إلى التغيير وتجسير هوة الاختلاف". وأضافت في فقرة عن استخدام العالم العربي للإنترنت " إذا ما نظرنا إلى مضمون المحتوى العربي على الإنترنبت نتساءل: ماذا تقول لغتنا على الإنترنت عن فكرنا وعن حالنا كعرب؟ فبقراءة ومتابعة المحتوى الإلكتروني بلغة الضاد نجد أن كثيرا منه يعكس وللأسف ضيق الأفق، و ضآلة المحتوى، وضعف المشاركة في إثراء الفكر الجمعي العالمي الإلكتروني، وضياع الحوار البناء، فيفهم العالم من الضوضاء أننا نرفض الاختلاف، ونضرب عرض الحائط بالرأي الآخر، ولا يفهم قدرتنا على ضبط حوارنا بحيث يكون بناء؛ أو يتعرف على ضميرنا الحي وأخلاقنا الطيبة وأصالة قيمنا". وأشارت مع أننا نتحدث اللغة نفسها... ولكن كأننا غير قادرين على حوار بعضنا وتقبل اختلافنا... وغير قادرين على التعايش السلمي وبتنا فئاتٍ ومذاهبَ وأدياناً وأطيافاً وهناك دائماً طرف "آخر" نحاربه أو نتعالى عليه أو نهاجم اختلافه عنّا. وأكدت أنه في مواطن الضعف تلك وجدت الجماعات الإرهابية والفكر الظلامي مساحة لبث سموم لغتهم وفكرهم المشبع بالقتل وانتهاك كل ما هو إنساني، بل استطاعت أن تستغل فضاء الإنترنت المفتوح للتجنيد ونشر ثقافة العنف والإرهاب والترهيب والتكفير. ويقول مطلعون تحدثت معهم "الرياض بوست" أن الملكة كتبت مقالتها بطلب من الصحافية الشهيرة التي ترأس تحرير النسخة الإنجليزية من الموقع آرانا هافينغنتون، وكان مكتوباً باللغة الإنجليزية، ثم تمت ترجمته إلى العربية، ليكون فاتحة المفاتيح في النسخة العربية من الموقع الشهير. وهذا يعني أن الملكة الحداثية التي يخوض زوجها حرباً غير معلنة مع حزب الإخوان داخليا، ليست متعاطفة مع سياسة الموقع التحريرية بالتأكيد، التي تناهض توجهاتها الفكرية والسياسية، ولو كانت تعرف لما قامت بهذه الخطوة. ويشوب الغموض تفاصيل الاتفاقية التي أدت إلى إصدار النسخة العربية من "هافنغتون بوست"، نظرا لليبرالية النسخة الإنجليزية منها، بينما تحفل النسخة العربية بالنفس الإخواني الإسلامي، ماعدا المواضيع المترجمة. ويزعم محللون أن جهات قطرية فضلت عدم إصدار صحيفة إليكترونية جديدة، بل العثور على بديل جاهز، وإعادة قولبته بطريقتها الخاصة، وهذا ما وجدوه في الموقع الإخباري الشهير، ولا يحتاج إلا إعادة ترجمة، وفتح مجال التدوين أمام كتاب بعينهم. وتعتبر مدونة "هافينغتون بوست" واحدة من المشاريع الإعلامية الإليكترونية التي أحدثت صدى واسعاً، ويعتبر دخولها السوق العربي خطوة تزيد من شعبيتها رغم الخشية من أن المحتوى العربي قد يعتبره بعض أهل المهنة ناطقا حيا باسم قناة الجزيرة وتنظيم الإخوان. هافنغتون بوست هي مدونة وموقع تجميع إخباري على الإنترنت أميركية. أسستها أريانا هافنغتون مع كينيث ليرير وأندرو بريتبارت وعدد من كتبة عامود إخباري بارزين. يقدم الموقع أخبارا ومدونات ومحتوى أصلى تشمل السياسة والأعمال والمنوعات والتقنيات وأسلوب حياة وثقافة وكوميديا وصحة مواضيع تهم المرأة وأحبار محلية. وبدأت العمل في مايو 2005 كموقع تعليقات يسارية وليبرالية في مواجهة مجمعات أخبار مثل تقرير درادج. في فبراير 2011، استحوذت إيه أو إل على سوق هافنغتون بوست العام بمبلغ 315 مليون دولار وعينت أرانا هافينغتون كمديرة التحرير لمجموعة هافنغتون بوست للإعلام. في عام 2012، نالت هافنغتون بوست جائزة بوليتزر لتصبح أول نشرة الكترونية تحصل على هذه الجائزة.