لا أذكر أنني نمت ليلة واحدة وعلى مكتبي ورقة تحتاج إلى توقيع، لأنني أدرك أن التوقيع الذي لا يستغرق مني سوى ثانية قد يعطل إن تأخر مصالح الناس أياماً عدة.
أيام قليلة وسيذهب الناخبون في تركيا إلى صناديق الاقتراع... مرة ثانية نحو 57 مليون ناخب سيتوجهون في الأول من نوفمبر المقبل إلى صناديق الاقتراع، وذلك بعد فشل كل المساعي لتشكيل حكومة ائتلافية بعد انتخابات البرلمان السابقة، حيث إنه لم يتمكن أي حزب من الحصول على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل حكومة وحده، وكانت خسارة الأغلبية بحزب «العدالة والتنمية» بسبب مكاسب حزب «الشعوب الديموقراطي» الموالي للأكراد في الانتخابات، وعدم نجاح «العدالة» في تشكيل ائتلاف مع حزب «الشعب الجمهوري»، بسبب تباين وجهات النظر بالسياسة الخارجية والتعليم.
ولا شك أن المرحلة الماضية كانت غير طيبة في تركيا بسبب التذبذب وعدم الاستقرار، حيث إن عدم الاستقرار كان سيد الموقف، وعلى المستوى الاقتصادي حيث شاهدنا الليرة التركية تتراجع إلى مستويات قياسية أمام الدولار، إضافة إلى العمليات الدامية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني والحوادث شبه اليومية والتفجيرات في مواقع سياحية متفرقة، مع وضع إقليمي حرج وغير مستقر خاصة من الجارة السورية بسبب الحرب الدائرة منذ أربع سنوات وتدفق اللاجئين الكبير، لا شك أن كل هذه الأسباب سببت حالة الحرج الكبير المصاحب للانتخابات.
ولكن الجميع ينظر ويترقب نتائج حزب «العدالة والتنمية» صاحب الفضل والمسيرة الكبيرة في تحقيق التنمية لتركيا طوال فترة وجوده على سدة الحكم، واستطاع الحزب أن يُخرج تركيا من الانعزال والإنكفاء الذاتي إلى العالم، والانفتاح على الدول العربية والخليجية خاصة خلال الأيام الأخيرة وفيما يخص الحرب السورية، ومد يدها إلى دول المنطقة، وتوقيع المعاهدات مع الدول الخليجية، حتى وجدنا الأرقام هي التي تتحدث وليس لغة العواطف، تخيل لو أن «العدالة والتنمية» لم يكن على سدة الحكم في هذا الوقت العاصف كيف ستكون النتائج؟، ويقول الرئيس التركي أردوغان:«اعتبرت نفسي وحزبي خدام الشعب التركي وليس قادة له لأنني آمنت بفكرة أن من خدم الناس هو خير الناس»، ويضيف في وقت سابق: «سر النجاح هو حسن إدارة الرجال وحسن إدارة العلم وحسن إدارة المال».
والسؤال المستحق هو هل سيحقق حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية التي ستقوده لتشكيل حكومة منفرداً؟
الإجابة عن هذا السؤال صعب جدا خاصة في هذه الظروف الاستثنائية، أعتقد نعم سيستطيع تحقيق الأغلبية، حيث حرص الحزب على التجديد في قوائمه الانتخابية وعودة بعض المخضرمين من قيادات الصف الأول حيث إنهم كانوا محرومين من الترشح بسبب مادة «الفترات الثلاث» في نظام الحزب الأساسي مع وجود برنامج انتخابي يركز على حياة المواطن وكيفية إيجاد العيشة الكريمة له، مع عدم إغفال النتائج السابقة خاصة الكبيرة، والتي وضعها الحزب للعبور إلى تركيا الجديدة.
ولو استطاع حزب «العدالة والتنمية» أن يطرح نفسه للناخب وفي خطاباته أن عدم الاستقرار هو بسبب تراجع الأغلبية وعدم قدرته على تشكيل الحكومة، وأنه قادر أن يعبر بتركيا إلى مرحلة الأمن والاستقرار خاصة عند رجال المال... عندها سيتمكن من تحقيق فوز مريح في الانتخابات المقبلة، ولكن الساعات في الانتخابات كفيلة بتغيير النتائج، فكيف بالأيام.