بين تضخيم ممر قناة السويس الجديد وتحقيره، انشغلت وسائل إعلام عربية وأجنبية، وتحول المشروع إلى مادة ساخنة في الحملات المتبادلة بين النظام المصري، وجماعة «الإخوان المسلمين»، وساهم شح المعلومات عن القناة الجديدة في تشويه صورة الحدث المصري الكبير، والتشكيك في أهدافه. لكن على رغم ضراوة الحملة المعادية للقناة الجديدة، إلا أن مراسم الافتتاح، والسعي إلى استعادة ملامح افتتاح القناة القديمة، ومشاركة زعماء من مختلف دول العالم، خلقت حالاً من البهجة في الوجدان المصري، واستعادت مصر مزاجها الطبيعي، وساد الفرح أوساط المصريين، على اختلاف مستوياتهم. التفاؤل في المستقبل، كان واضحاً خلال الاحتفاء بالمشروع، وهو أصبح مناسبة لتذكير المصريين بقدرتهم على التضامن، بجمع تكاليف المشروع، وتحقيق الإنجاز في وقت قياسي. ولهذا لا بد من اقتناص هذا الأثر، ليس من أجل الوقوف على ضفة المجرى الجديد للقناة، ومعاودة الاشتباك مع المشككين في جدوى المشروع، بل من أجل الإبحار سياسياً، واجتماعياً، وتحويل الممر المائي إلى وسيلة لعبور جديد بمصر إلى الانتصار. منذ 30 حزيران (يونيو) 2013، ومصر تعيش أحداثاً متوالية من العنف، واستطاع الإرهاب توتير المزاج السياسي العام في البلد، وبين المحاكمات، والتفجيرات والاغتيالات، شل التفكير الهادئ حتى بين النخب، ووسائل الإعلام، فضلاً عن النظام السياسي، وكأن الإرهاب نجح في تحقيق هدفه، وبات الحديث عن تفكير مختلف نوعاً من الهزيمة، وأصبح الأمر إما مصر أو «الإخوان». لكن القناة الجديدة، رغم كل ما قيل فيها، ربما هيأت الأجواء لتفكير مختلف، وحديث آخر، والخروج من صندوق «الإخوان» إلى ميدان الشباب، ورؤية المشهد من خلالهم، ولجم الرغبة المتنامية في تضخيم خطر جماعة «الإخوان»، فضلاً عن قدراتها. هذه الجماعة قفزت على خشبة الميدان في «25 يناير»، وهي اليوم تستعد لمعاودة القفز مرة أخرى. ولهذا فإن الاستمرار في فرضية أنها الخطر القادم، ينطوي على دعم غير مباشر لأهدافها، وإن شئت، انتهازيتها السياسية. لا بد من صرف النظر عنها سياسياً، والاهتمام بالشباب، الذين ربما عاودوا تكرار دورهم. نظام مبارك لم يسقط لأن الشباب واجهوه، بل لأنهم قاطعوه. والمشهد الكبير لهم في «25 يناير» كان نتيجة لتلك المقاطعة، كانت هتافاتهم في الميدان صدى لصمتهم الموجع. اليوم، ومصر تعيش حالاً من التفاؤل، ومزاجها «رايق»، ويبدو أن المجال أصبح متاحاً، أكثر من أي وقت مضى، للتفكير بعقل بارد، وتسمية الأشياء بأسمائها، واحتضان الشباب، والاستماع إليهم، قبل أن يكرروا المقاطعة، وتخطفهم انتهازية «الإخوان» مجدداً. إن تم لمصر هذا، فإن المجرى الجديد لقناة السويس سيصبح رمزاً تاريخياً للانتصار. من جريدة الحياة