عرفنا – مثل جميع الأمم – فئتين من المفكّرين والمثقّفين، الأولى قررت أن تقف إلى جانب الحقيقة والوعي والمعرفة، أي غالبًا الخسارة والاضطهاد. والثانية إلى جانب السهولة والربح والرضا العام. الفئة الأولى حاولت أن تدلّنا على مسؤوليتنا: في العمران وفي الخراب. في التقدم وفي التقهقر. في الخسارة وفي الربح. في التعلم وفي الجهل. الثانية، رفعت عنا جميع المسؤوليات وحررتنا من جميع عقد الذنوب: هناك مسؤول واحد هو الآخر. هو المتآمر. هو مرغمنا على التخلّف. هو مخدّرنا في العبوديات. هو مانعنا من التعلّم. هو حاجب العلوم. هو مخدّرنا بالشعارات. هو المستشرق الخبيث اللعين. ونحن؟ نحن الأبرياء. لولاه، لما كنّا مرتزقة وخونة وجهالاً. لولا سمومه لما فجرنا شوارع وساحات بغداد، ومواكب لبنان، وجنود سيناء، واقتصاد الفقراء. إنه ذلك المجرم الذي منذ ستة عقود يقيم دولة عربية على أخرى. ولولا الإمبريالية وسفيرتها أبريل غلاسبي لما فكّرنا أبدًا في غزو الكويت وتفجير آبارها بتلوث قنبلة ذرية. إنه المخطط الجهنمي ضدنا. انظروا إلى أكوام الزبالة تغطي لبنان الذي كان مركز جامعة الحقوق أيام روما. انظروا إلى لبنان الذي بنى أول مراكز التحضر في إسبانيا في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. انظروا إلى البلد الذي أرسل قرطاج إلى تونس. إنه اليوم يريد تصدير القمامة إلى أي مكان. لماذا؟ لأن الاستعمار لا يكف عن التآمر. ألا ترى أي نوع من السياسيين دفع إلينا؟ ألا ترى كيف أوحى لنا أن ننتخبهم ونزعّمهم ونهتف لهم حتى الموت؟ ألا ترى أن جميع العرب يهتفون «حتى الموت» ولا أحد يهتف «حتى الحياة»؟ تعاليم الاستعمار. «بالروح.. بالدم». لعنة إمبريالية مضادة لحياتنا الديمقراطية. هذا ما علمنا إياه المستشرقون. انظر إلى الجامعات التي أرسلوها لنا تُعلّمنا الفيزياء والكيمياء والاقتصاد. لماذا؟ لكي تستعمرنا. لماذا أنشأت كليات الطب؟ أيضًا. أيضًا. ونحن؟ نحن أبرياء. لو لم يسكنوا فينا الشيطان، كيف كان يمكن أن نقتل مليون إنسان في عقد واحد؟ كيف كان يمكن أن ندمّر نصف العالم العربي في نصف عقد؟ لكن ماذا عن الخُطب التي نسمعها، والمقالات التي نقرأها، والبرامج التي نحضرها، ونشرات الأخبار التي تملأ نفوسنا؟ مؤامرة. قلت لك إنها مؤامرة. والسفه الذي تسمعه من بعض سياسييك تعليب وتعبئة إمبريالية. آثار المستشرقين. وماذا عن كل هذا الانحطاط الفكري والخلقي والنفسي؟ فتش عن المستشرقين. فتش عن المتآمر الدموي الذي لا ينشط في أي مكان إلا في هذه المنطقة. لا بد أن في الأمر سرًا. لماذا فشل السفيه في كل مكان ولم ينجح سوى عندنا؟ لماذا لم تعرف أي لغة في الكون، في التاريخ، هتافًا مرضيًا من نوع «بالروح، بالدم»؟ لماذا عمّت العالم الثالث ثقافة «الرئيس مدى الحياة» واحتكرنا وحدنا «الرئيس إلى الأبد»؟ يجب أن تراجع فصول المؤامرة وخبث الاستشراق. لقد جنّد نحو مائة ألف في «داعش»، وزودهم الخناجر وعلمهم بيع السبايا بعد اغتصابهن.