شهدت الأيام الأخيرة تطور ملفت يقضي على مايمكن تسميته بـ "التحالف غير المعلن" القائم على التجاهل المتبادل بين أنقرة وتنظيم داعش، ويزيد من تعيقدات الوضع في تركيا. دعا تنظيم داعش الأتراك لإسقاط الرئيس رجب طيب أردوغان في إعلان حرب متهمًا إياه بأنه "خائن" لاصطفافه مع الولايات المتحدة. وتضمن شريط فيديو منسوب لتنظيم داعش تهديدًا اعتبره المراقبون الأوضح من نوعه، الذي يطلقه التنظيم المتطرف ضد تركيا منذ سيطرته على مناطق واسعة من العراق وسوريا. وجاءت دعوة داعش للأتراك بالثورة على أردوغان لتكرس القطيعة بين الجانبين، لاسيما وأن الوضع تغير بعد الاتفاق الأميركي التركي وسعي أنقرة لإنشاء منطقة عازلة في سوريا. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية يرى الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتجية في القاهرة أنّ التفسير الصحيح لرسالة داعش هو أنها إعلان الطلاق بين تركيا والتنظيم الإرهابي، وليس أكثر من ذلك. فتنظيم داعش لا يملك قدرات كبيرة في تركيا. ويضيف اللباد أنّ تنظيم داعش ليست له شعبية بين الأتراك بمختلف أصولهم ومشاربهم العرقية والطائفية. ويؤكد الدكتور اللباد بشكل غير مباشر وجود تحالف غير معلن بين أنقرة وداعش قائلًا حين غضت تركيا الطرف عن داعش، فإنها كانت تسعى من وراء ذلك إظهار امتعاضها من رفض أمريكا التدخل ضد النظام السوري، معتبرا أن تركيا وداعش كان لهما موضوعيًا خصم مشترك هو النظام السوري. ويوضح الباحث المصري أنّ قرار أنقرة السماح للطيران الأميركي باستخدام قاعدة انجرليك سيوفر لواشنطن منطلقا مثاليا لضرب قواعد التنظيم المتطرف في سوريا وسيزيل نقطة خلافية بين أنقرة وواشنطن التي دأبت على طلب ذلك بإلحاح، وبدورها ستتمكن تركيا من إنشاء منطقة عازلة في سوريا تقسمها إلى مناطق عسكرية وربما تعتمد على الأقلية التركمانية التي تعيش هناك. وتابع وبالتالي فإن الانخراط التركي في سوريا يقتضي منها الآن الابتعاد عن داعش لتثبيت التحالف الأمريكي التركي الذي تعمل أنقرة تحت مظلته. ويرى اللباد أن "هناك ارتباطا غير معلن بين داعش والأكراد والانتخابات، لافتًا إلى تحول داعش إلى رقم في المعادلة الداخلية التركية على الرغم من أنه لا يحظى بشعبية،لأن أردوغان لا يريد حكومة ائتلاف وطني وظهر ذلك واضحا في المفاوضات التي أجراها حزب العدالة والتنمية مع الأحزاب التركية" الممثلة في البرلمان. بيد أن فيغن يوكسيكداك، النائبة الكردية في البرلمان التركي والقيادية في حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، ترى في حوار مع دويتش فليه تؤكد أنّ الحرب التي تشنها تركيا لا تستهدف تنظيم داعش، وإنما القوى الكردية. فمنذ ثلاثة أعوام وأنقرة تدعم تنظيم داعش بمراكز تدريب داخل تركيا، وإرسال المقاتلين خارج الحدود. وترى النائبة الكردية أن "هناك تقاربًا استراتجيًا وإيديولوجيًا بين تركيا وتنظيم داعش، وبالتالي فإن الهجمات الجوية التركية موجهة بالأساس ضد الحركة الكردية وليس ضد داعش. ورغم نفي الحكومة التركية بشدة لدعمها للتنظيم المتطرف، فإن القيادية الكردية تقول إن لديها "أدلة وشهود ووثائق بشأن إرسال أسلحة". فتركيا برأيها "لا تريد أن يصبح أكراد سوريا جيرانها". ويتهم خصوم أردوغان بأنه يسعى لشخصنة النظام السياسي التركي وجعله على مقاسه. وبالتالي فإن الانتخابات المبكرة أفضل سبيل يتيح لحزب العدالة والتنمية استعادة أغلبيته وقد يسمع لأردوغان بإجراء تعديلات دستورية تمنحه رئاسة تنفيذية. بيد أن النائبة الكردية فيغن يوكسيكداك ترى أن هدف الحرب التي تشنها الحكومة هو جعلنا (حزب الشعوب الديمقراطي) نحصل في الانتخابات المقبلة على أقل من حاجز 10%"، ما قد يسمح أردوغان وحزبه باستعادة الأغلبية. وبهذا تجد تركيا نفسها بين نارين. فهي من جهة تواجه اتهامات بعدم التصدي بشكل كاف للتنظيم المتطرف، بل إنّ هناك من يتهمها بالتواطؤ معه، وهو ما تنفيه بشدة. ومن جهة أخرى ما تعتبره مصالح أمنها القومي وما تراه أن الأكراد من الجانب السوري يهددون وحدتها الترابية. وبالفعل شنت تركيا الشهر الماضي أولى غاراتها الجوية ضد مواقع تنظيم "داعش"، كما فتحت إحدى قواعدها الجوية أمام القوات الأميركية لشن هجمات على أهداف للتنظيم. ضربُ الطيران التركي لمواقع داعش داخل التراب السوري يشكل تحولا مفاجئا في موقف أنقرة ومنعطفا لا يخلو من مجازفة لأنه قد يجعلها هدفا لأعمال انتقامية من قبل التنظيم المتطرف، ويفاقم بالتالي أجواء عدم الاستقرار التي تعصف بالبلاد حاليا. وهذا معناه عمليا أن تركيا ستتخلى عن "لعبة غض النظر عن تزويد الجهاديين بالإمدادات اللوجستية وكذلك الأموال والسلاح". بعد أيام من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا يمكن الاستمرار في العمل مع حزب العمال الكردستاني،الذي وصفه بالانفصالية وأنه يشكل تهديدا للمصالح القومية للبلاد. ويتساءل المراقبون ما إذا كانت أنقرة تستهدف من حملتها العسكرية هذه محاربة "داعش" أم الأكراد.