كانَ فعل ماضي ولّى بتذكرة ذهاب دون عودة. والتعليم انتكس فلم يعد له بريق يُغري بالسعي إلى معاقلهِ صباح كل يوم. أما بعد: حين انتقدنا (أقصد كُتّاب الرأي) التعليم في بلادنا انتفض البعض وظنّوا بأنهم سددوا هدفاً (في الثمانينيات) بقولهم "التعليم الذي تشنون عليه حرباً شعواء هو من قدّمكم للحياة الوظيفية وصاغ فكركم وهذّب لغتكم. إلى آخر تلك المعزوفة من التمجيد. لم يُدرك من قال هكذا قول بأن التعليم في حقبة الستينيات وحتى بداية السبعينيات الميلادية يختلف جذرياً عما هو عليه في حقبة الثمانينيات وما بعدها إلى يومنا الحاضر. لا يلامون إذ لم تُكتب حسب ظني تجربة التعليم في الماضي بكل تجرّد بل نادراً ما يتم التطرّق للتعليم في ذلك الزمن. زمن دفتر أبو عشرين على غلافه صورة للملك سعود والأمير فيصل (حينها). زمن مدارس الطين وتلقي الدروس جلوساً على بساط لا يقي من خشونة الأرض. زمن الأعناق مشرئبة للسبورة السوداء وصوت المعلّم (العربي) الجهوري يهزّ الوجدان قبل الجدران. زمن العلم الصافي غير المخلوط بغش ولا تورية ولا أجندات. زمن مواد الإملاء والتعبير والخط وحصص الخطابة والفنون. زمن ملاعب كُرة السلّة وألعاب الجمباز ومنافسات اختراق الضاحية. زمن ختام السنة الدراسية بالمسرحيات ومعارض الفنون الجميلة والأشغال اليدوية، زمن هيبة المعلم واحترامه ووجاهته في المجتمع. زمن العام الدراسي الطويل ذي الفصل الواحد المتصل لا يقطعه رمضان ولا يعرف عطلة للربيع ولا تعليقاً للدراسة ولا انتظار إشاعات تأجيل أو تمديد أو تأخير. زمن قلوب صغيرة متعلقة بالمدرسة وحب العلم والمنافسة على المقعد الأول والترتيب الأول والحضور للمدرسة بفرح في اليوم الأول. زمن الفزع من الأهل فيما لو كانت الشهادة ممهورة بدائرة حمراء أو كلمة (راسب). لن أسترسل في التداعي لأنني شرقت بحُزني على تعليم كان. بناتي وأبنائي: غداً فاتحة عام دراسي جديد أعانكم الله على تحمّل الغُثاء. صحيفة الرياض