"طلعت ريحتكم» اللبنانية لم تزل تبحث عن عطر يعبق المكان ويزيل ما علق بثياب السياسة من بقايا زمن قديم ولم يزل المتظاهرون الشباب يرفعون لافتات تعبر عن ضيق وكدر لما يحصل في بلد «الديمقراطية» التي تبحث منذ أمد بعيد عن رئيس لم يأت بعد، والتجاذبات السياسية هي سيدة الموقف لأن في لبنان كائن توحش وجدانه وأصبح متجاوزاً للوطن بانتماءاته الحزبية ما يجعله لا يفكر ملياً بالأرض التي تمشي عليها الأقدام بقدر ما يفكر بالأحلاف والاصطفاف إلى غير الوطن، الأمر الذي يجعل انسياب الماء على الأرض السياسية صعباً وعسيراً، إن لم يكن مستحيلاً لأن من يفكر بخارج الوطن لن يعنيه كثيراً ما يحدث في شارعه وما يعاني منه الإنسان البسيط الذي يبحث عن رغيف الخبز صباحاً ويسأل عن سبات هادئ في الليل ومن دون دوي أو هدير. «طلعت ريحتكم».. زكمت الأنوف ورفعت درجة الحرارة وساح العرق من وجنات الحسان وأشاع الذعر في نفوس الذين ما عادوا يقدرون على حبال الصبر الطويلة ولا يستطيعون تحمل الأحمال الثقيلة، فلبنان الجميل وتاريخه النبيل يحتاج إلى نافذة غير النوافذ الحزبية، فهذه النوافذ أدخلت إلى الأفنية والغرف هواء ملوثاً وملأت السماء صياحاً ونباحاً من دون جدوى ليبقى لبنان في حيرة البحث عن مكان آمن في السياسة والسؤال عن قيادة تلجم الأفواه الفاغرة وتسكت التصريحات الخاوية وتفتح صفحة جديدة من دون عناوين حزبية ولا ولاءات خارجية ولا شتائم وسباب واتهامات تضر ولا تسر. «طلعت ريحتكم».. الرشفة الأخيرة لشفاه نريد أن تفوه بالحقيقة وتكشف عن اللغط والغلط والشطط وتريد أن تنقل لبنان من منطقة الحوارات الجوفاء إلى منطقة اللقاءات الحميمية التي تأخذ هذا البلد إلى ضفاف الليطاني، هناك تلتقي العيون مع عيون الماء وهناك تصفو المشاعر وتنظف الأقطار من شوائب الخراب والسراب واليباب.. «طلعت ريحتكم» قد تكون الطلقة التي تلاحق شيطان التميز وتضرب عنق الشر الذي لاحق لبنان منذ أن ارتفعت الأصوات الشوفينية متسلحة بالعصبية، مدعية أنها أمسكت بزمام الحقيقة.. «طلعت ريحتكم» خطوة من أجل لبنان المتحرر من الأغلال والأقوال والسير باتجاه وطن يعتز بشجرة الأرز من دون أن يلفها بعمامة السواد والأحزان التاريخية.