قدر المملكة أن تكون كبيرة بحضورها، ومواقفها، وإمكاناتها، ومنجزاتها التنموية، وأكثر من ذلك بقيمها ومبادئها الراسخة التي أثمرت عن وطن آمن مستقر، وقيادة واعية، ومواطن مخلص، وعلاقات دولية ممتدة، ومحترمة، وشاهدة على حسن النوايا التي تسبق ردود الأفعال، وهذا الإرث الذي تركه لنا "عبدالعزيز" سيبقى أمانة في عنق كل واحدٍ منّا، وحافزاً على التضحية، وباعثاً على العطاء، والتصدي لكل محاولات الانتهازيين الرخيصين والعابثين. المملكة لم تنزلق يوماً إلى مهاترات ودعايات مضللة أو ملونة تجاه التعاطي مع الأحداث العالمية فضلاً عن تلك التي تجري على أراضيها، وفضّلت أن يكون العقل والحكمة ومواصلة العمل أفضل ردّ على كل من شكك أو نال أو تجاوز عليها قولاً أو فعلاً، وتركت ثقافة "الوقت المناسب" كفيلة بمعالجة الخطأ بحسم وقوة. الإعلام الانتهازي الرخيص في "حادثة الرافعة" لم يكن مفاجئاً في لغته، وسطحية محتواه، وهامشية حضوره، ولم يكن مفاجئاً أيضاً في التعبير عن مهازله، وأدلجة فكره وتفكيره بطريقة مكشوفة، واستغلال معرّفات سعودية في مواقع التواصل الاجتماعي لمحاولة توجيه النقد، وشق الصف، وإثارة الفتنة.. ولكن اللافت المعيب أن يقدم ذلك الخطاب بطريقة ساذجة بدائل وحلولاً للمشكلة، رغم أن ما يُقدّم في الحرم المكي من خدمات ومشروعات يفوق كماً وكيفاً ما يتحدثون عنه، أو يتطلعون إليه، وأكثر من ذلك ما يمكن أن تستوعبه عقولهم. قيادة المملكة باشرت الحادث الأليم وهي مفجوعة ومتألمة على سقوط الضحايا والمصابين، ومدركة لتوقيته ومكانه، ومع ذلك وقفت على تداعياته الأمنية والصحية والفنية بثبات وحسن تدبير، وانتهت من التحقيق في أسبابه وستعلن نتائجه للجميع، ليس فقط محاسبة كل مقصّر، ولكن الأهم منع تكراره مستقبلاً، وهذا التزام أخلاقي، وعهد قطعته على نفسها أن تقدم للحرمين الشريفين كل ما تملك، وأن تكون خدمة الحاج والمعتمر والزائر شرفاً لمليكها وشعبها، وهو ما سارت عليه منذ زمن التأسيس، وستبقى على هذا العهد. الملك سلمان الذي تواجد يوم أمس الأول في موقع الحادث متفقداً، وحاضراً مع فريق عمله، موجهاً، ومتسائلاً، ومطلعاً على ما تم إنجازه من ترميم للأضرار قبل موسم الحج؛ يبعث رسالة اطمئنان للعالم من أن الدولة هنا، والحرمين الشريفين أمانة ومسؤولية، وخدمتهما واجبة على كل صغير وكبير في هذا الوطن، وأن ما حدث قدر؛ لكنه يستوجب التحقيق، وما سيعلن في المستقبل من إجراءات للسلامة وحماية أرواح الحجاج هو ما سيتحقق. خادم الحرمين الشريفين في تصريحه المتلفز كان واضحاً في خطابه، ومتمسكاً بنهج الدولة الراسخ تجاه مكة والمدينة وتقدير مكانتهما، وقدّم واجب العزاء للشهداء، وزار المصابين، ووجه المسؤولين في وزارة الصحة بتقديم أفضل الرعاية لهم.. وهذه المسؤوليات المتعددة من الرجل الأول في الدولة هي أكبر رد عملي على كل إعلام انتهازي رخيص، وعلى كل من تطاول، أو تاجر بكارثة "الرافعة"، وهي أيضاً رهان على وعي المتلقي حينما يرى الفارق بين دولة تبذل وتواجه وتواصل العمل، وبين إعلام ينطق بهوى التبعية، والكذب، والهراء، وتصدير الأزمات، والمواقف المخجلة من قضايا الأمة والمنطقة. الملك سلمان بحضوره المميز في موقع الحدث، وبجانبه ولي عهده وولي ولي العهد قطع الطريق على المغرضين والحاسدين وما أكثرهم، وكشف "معدن الدولة" الأصيل الصادق الواعي في التعامل مع الأحداث والأزمات حتى وإن كانت مؤلمة، وكيفية إدارتها، والتعامل معها داخلياً وخارجياً، والأجمل مع كل ذلك أن يواكب جهد الدولة وعي المواطن في التصدي لكل من يحاول أن يزعزع جبهته الداخلية، أو يقترب منها تخويفاً أو إثارة او إحباطاً؛ لأن هذا الوطن - أرضاً ووحدة وقيادة وشعباً - هو من يجب أن يبقى لنا ولأجيال المستقبل.