رأيت أشرف مروان آخر مرة في صالة الدرجة الأولى لشركة الطيران البريطانية في مطار هيثرو. كنت مسافراً إلى القاهرة، وهو قال لي إنه في طريقه إلى الولايات المتحدة للعلاج. كنت أعرف أن أشرف مروان يعاني من أمراض عدة. ورأيته في المطار برفقة مضيفة ساعدته في الوقوف والجلوس، وسارت معه إلى الطائرة. كان بادي المرض، وهو قال لي إنه متعب ويائس من حياة الألم. أشرف مروان توفي في 27/6/2007، وهناك تقرير رسمي بريطاني عن وفاته، لم يجزم بشيء، وهل رجل الأعمال المصري البارز، زوج منى جمال عبدالناصر، قتِلَ أو انتحر أو سقط من نافذة شقته في وسط لندن. أكتب اليوم بعد أن قرأت تحقيقاً عالي المستوى في جريدة «الغارديان» اللندنية الليبرالية قبل أيام يسجل فيه سايمون باركن تفاصيل كثيرة عن حياة أشرف مروان وموته، تضم معلومات إسرائيلية، بعضها قديم وبعضها جديد. بما أنني أكتب عن أحداث عمرها عقود فإنني أرجو من القارئ أن يعذرني إذا أخطأت في تاريخ حادث أو أهملت بعض التفاصيل. ما أعد القارئ به هو أن أحكي اليوم ما أعرف شخصياً. إتُّهِمَ أشرف مروان بأنه عميل مزدوج، وأنه عمِل للاستخبارات المصرية والإسرائيلية، بل تعامل أيضاً مع الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإيطالية. ربما كان هذا صحيحاً، إلا أن الرجل الذي عرفت على امتداد ثلاثة عقود أو نحوها كان مصرياً وطنياً، وابنة جمال عبدالناصر ما كانت لتقبل أن يتجسس زوجها لبلد أجنبي، خصوصاً مثل دولة الإرهاب إسرائيل التي قضى جمال عبدالناصر حياته في العمل ضدها. هو خدع الموساد عشية حرب 1973، ودفعت إسرائيل الثمن. أجزم للقارئ بصحة ما أكتب كما سمعته، إلا أنني لا أجزم بأنه صحيح أو نهائي، ولا أزعم أنه يلغي المعلومات الأخرى المتوافرة. أشرف مروان قال لي إن الرئيس أنور السادات أمَرَه بأن يتصل بالإسرائيليين ويزعم لهم أنه يريد العمل جاسوساً لهم. وفي معلوماتهم أنه طلب مئة ألف دولار أجراً. أشرف مروان كان رجل أعمال ناجحاً ومن أصحاب الملايين، وكان والده عسكرياً وهو أدّى الخدمة العسكرية بعد تخرجه في الجامعة حاملاً شهادة مهندس كيماوي بمرتبة الشرف العليا. يستحيل أن يكون هدفه الحصول على مئة ألف دولار أو مليون دولار. مع ذلك أجد أن للضجة ما يبررها، فالممثلة المصرية المشهورة سعاد حسني سقطت من شقة في لندن في حزيران 2001، وقبلها في آب (أغسطس) 1973 سقط الليثي ناصف، القائد السابق للحرس الجمهوري المصري، أيضاً من شقة في لندن. وهكذا فقد توفي ثلاثة مصريين معروفين بالطريقة نفسها في العاصمة نفسها، وما يجمع بينهم أن كلاً منهم كان يريد نشر مذكراته وكشف المستور من أسرار بلاده. وأعرف أن أشرف مروان كتب مذكرات اختفت بعد موته لكن لا أجزم بأن الآخرَيْن كتبا مذكرات. كنت أدرِج أشرف مروان ومنى جمال عبدالناصر في عداد الأصدقاء، وهي حكت لي يوماً كيف تعارفا في نادٍ لكرة المضرب، وكيف جاء مع أبيه ليطلب يدها من أبيها جمال عبدالناصر. صدمتُ بموت أشرف مروان رغم ما أعلم من مرضه، وعادت بي الذاكرة إلى يوم حضرت حفلة زواج أحمد أشرف مروان وهانيا عمرو موسى، وجلست مع زوجتي حول طاولة ضمّت معنا هدى عبدالناصر وخالد عبدالناصر وأحمد قذاف الدم، وغنى للضيوف النجم الكبير عمرو دياب، ورقصت دينا. الرئيس حسني مبارك قال عن أشرف مروان بعد وفاته إنه كان بطلاً مصرياً، وأختنا منى عبدالناصر قالت لجريدة «الأوبزرفر» اللندنية إن الموساد قتلت زوجها الذي قال لها غير مرة إن حياته مهدَّدَة. وأنا أصدقها وأصدقه.