دخلنا الجامعة الأميركية في بيروت معاً. اخترتُ العلوم السياسية واختارت الاقتصاد، وتخرجنا معاً، وهي تزوجت بعد ذلك بسرعة فقد كانت على قدر من الجمال، وتأخرت وأنا أبحث عن عروس نظرها ضعيف فلا تراني على حقيقتي. الشاعر قال: وما كل مخضوب البنان بثينة / ولا كل مسلوب الفؤاد جميل. كنت وزميلة الدراسة في العمر نفسه، واكتشفت أخيراً أنني أكبر منها بعشر سنوات، فقد صرَّحت بهذا لمجموعة من الأصدقاء المشتركين بحضوري، ومن دون خجل أو وجل. من حق كل امرأة أن تحذف سنوات من عمرها. هذا جزء من أي دستور غير مكتوب في كل بلد، ولكن ليس من حقّها أن تكذب على إبن الجيران، وقد ولدا في سنة واحدة، وكبرا معاً، وجنباً الى جنب. مرة أخرى، أؤيد كل امرأة في حذف سنوات من عمرها، ولكن ليس على حسابي. ولا أعتبر عملها كذباً بل حقاً. الكذب للرجال وعندنا منه في بلادنا جبال. والشاعر قال: لي حيلة في من ينمّ / وليس في الكذاب حيلة من كان يخلق ما يقول / فحيلتي فيه قليلة. أتجاوز اليوم داعش وفاحش والقاعدة وكل الإرهابيين، فهؤلاء هم البلاء الحقيقي، غير أنهم دمروا مستقبل شعوب، فلا أزعم أنني أعرف كيف نقضي عليهم في أسبوع أو شهر، وإنما أكتفي بمنغّصات الحياة اليومية التي لا نملك إزاءها سوى الصبر. ربما ما كنت كتبت هذه السطور لولا أنني رأيت امرأة تسير وهي ترسل «تكست» على هاتفها المحمول. هي اصطدمت برجل، وبدل أن تعتذر صرخت وشتمت، ثم أكملت طريقها وقد عادت الى الهاتف لاهية عن العالم حولها. أقيم وصديقي روبير في لندن، وهو قال لي يوماً إن كل امرأة تسير وحدها تتكلّم على الهاتف المحمول، واعتقدت أنه يبالغ، ثم وجدت أن كلامه صحيح فأكثرهن على الهاتف... يعني لا يكفي أن تتحدث وترغي وتزبد في البيت، وإنما في الشارع أيضاً. إذا كان البيت شقة، فالساكن فوقك يرقص، خصوصاً بعد منتصف الليل. يتبع ما سبق صنف من البشر يجب الحذر منه رجالاً ونساء، فهو يسير في مكان وينظر في مكان آخر. وهذا الصنف يكثر في الأسواق أمام المتاجر، فهو أو هي، يتابع ما في واجهة المحل ويسير كسيارة من دون كوابح (فرامل). ثم هناك العجوز المتصابية وهي في كل شارع ودسكرة، وعلامة الواحدة من هؤلاء أن تزيد كمية مستحضرات التجميل الى أعلى حدّ، وتختصر الثياب الى أقل حدّ. والشاعر القديم سبقني وقال: عجوز ترجي أن تكون صبية / وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر تدسّ الى العطاء سلعة بيتها / وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر. هي تبحث عن ذلك الذي قال: وعشقتها شمطاء شاب وليدها / وللناس فيما يعشقون مذاهب أقول لها إن الشعراء يتبعهم الغاوون فلا تصدق شاعراً. أسوأ من كل ما سبق الذي يقاطع كلام الآخرين، ولا يترك أحداً ينهي جملة. وهكذا، فالواحد منا يحاول أن يقول إنه اكتشف طريقة للقضاء على الإرهاب، وطريقة أخرى لتحرير فلسطين، ويأتي ثقيل يقاطعه ليقول إن ثمن البصل السلموني ارتفع. مع هذا وذاك وغيره، هناك السائق في السيارة الثانية أو الثالثة أو العاشرة أمام ضوء المرور الأحمر. وهو لا يرى الضوء يتغيّر الى الأخضر حتى يطلق العنان لبوق سيارته، وقد يصرخ ويشتم إذا كان في حجم فيل. يُقال إن أصغر مدة زمنية في العالم هي «نانو ثانية»، وأعتقد أنها تصف المدة بين التحوّل الى الأخضر وبدء هذا السائق «التزمير»، كأنه في موكب عرس في جبل لبنان. كما أتمنى لو أنني في قرية في الجبل بعيداً عن منغّصات الحياة، إلا أن العمر يمضي ونحن نتمنى.