2015-10-10 

تفادي الصدام السعودي الإيراني

عبدالرحمن الراشد

هذه أعلى درجة من التوتر بين الجارتين السعودية وإيران، منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وذلك قبل 27 عامًا. وليس عسيرًا على المتابع أن يتفهم دوافع القلق السعودي من إيران. فهي تتمدد حتى أصبحت توجد عسكريًا في محيطها، شمالاً في العراق وجنوبًا في اليمن، وجماعاتها تنشط كمعارضة في البحرين شرقًا، وتدير القتال مباشرة في سوريا. إيران تستثمر الكثير من رجالها وأموالها في مشروع يبدو هدفه محاصرة دول الخليج. ولولا هذا التوتر ما حولت القيادة الإيرانية بأعلى مستوياتها، المرشد الأعلى والرئيس روحاني، حادثة التدافع في موسم الحج إلى قضية وصعدتها سياسيًا. فالحج منطقة تزاحم، ووقوع حوادث فيه محتمل بوجود مليونين ونصف المليون حاج في المشاعر الدينية المحدودة المساحة والزمن. والهدف من ذلك تحريض الشعب الإيراني وتبرير نشاطات الحكومة الإيرانية في الخارج. والاحتجاج الإيراني الآخر هو ضد ما تسميه بـ«الحرب العسكرية السعودية في اليمن»، مع أنه تدخل جاء بموافقة كل أعضاء مجلس الأمن، وبمساندة عشرات الدول الإسلامية. إيران وجدت أن استثمارها في دعم المتمردين الحوثيين، وهم جماعة صغيرة، يتبخر بعدما كانوا قريبين من الاستيلاء على الحكم، وحكم اليمن، عندما قاموا بتنفيذ انقلابهم واعتقال رئيس الجمهورية الشرعي. وقد قطع «التدخل السعودي» الطريق على الإمدادات العسكرية الإيرانية بحرًا، وجوًا، بإغلاقه ميناء الحديدة، وقصف مدرج مطار صنعاء، والاستعانة بالبحرية الأميركية لفرض رقابة بحرية ضد المدد من إيران. وفي سوريا، أيضًا، هناك صدام غير مباشر، حيث تقود قوات الحرس الثوري الإيراني مباشرة ميليشيات جلبتها من العراق ولبنان وأفغانستان، تقاتل جميعها نيابة عن نظام بشار الأسد. وقد تسببت في ارتكاب أكبر مأساة عرفتها المنطقة، ربع مليون قتيل واثني عشر مليون مهجر ومشرد. أما العراق، فإنه في طور التحول إلى نقطة تماس ثالثة، وبالغة الخطورة، بعد أن أصبحت الهيمنة الإيرانية واضحة على الحكم في بغداد، وقيادات الحرس الثوري تقاتل في محافظات عدة. تزايد شهية الحكومة الإيرانية لنشر نشاطاتها في منطقة الشرق الأوسط يخالف كل الفانتازيا التي تحدث عنها الأميركيون، من أن الاتفاق النووي مع الغرب سيحول إيران إلى دولة تلتفت إلى أوضاعها الداخلية، وتتخلى عن مغامراتها الخارجية، وستسعى للتعاون من أجل الانفتاح الاقتصادي وتطوير خدماتها لمواطنيها. الذي يحدث عكس ذلك تمامًا. والحرارة المرتفعة جدًا في علاقات السعودية بإيران تنذر بالخروج عن السيطرة، ما لم يسعَ البلدان إلى وضعها في إطارها، كما تقتضي العلاقات والأعراف بين الدول. وقد زاد من توجس دول المنطقة من إيران الاتفاق النووي، لأنه يرفع العقوبات العسكرية والاقتصادية، ليتفاعل سلبيًا فيزيد الخلاف والتراشق الدبلوماسي والإعلامي. لكن تزايد التوتر يستوجب تحسين وسائل التواصل وليس العكس، من أجل محاولة فهم أسبابها ودوافعها وإلى أين يمكن أن تتجه. ونتوقع أن يستمر الخلاف الإقليمي في اليمن والبحرين والعراق وسوريا وغيرها، وستصاحبه نعرات طائفية، لكن لن يكون سهلاً إطفاء الفتن الدينية بعد إنهاء الخلافات السياسية. لكن يفترض ألا يخرج التوتر عن سيطرة الطرفين. * نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه