هي كونها خطوة شجاعة بجانب كونها موقفا حضاريا متميزا ذلك الذي اتخذته جامعة القاهرة والمسئولون عنها ، بمنع التدربس والقاء المحاضرات بالنقاب، الذي يحول الانسان خلفه الى شبح، انه موقف ايضا منسجم مع الاسلام الصحيح، فليس المطلوب من المرأة التي تطوف بيت الله الحرام او تسعى في مسعاه ان تغطي وجهها عن الناس ،وذلك يمنع منعا باتا من كل المذاهب الاسلامية،ولا ترى له أثرا في بيت الله في اي وقت تزوره، فكيف يتاح للمرأة وهي في عملها ان تفعل ذلك! هذا التصرف هو في أحسن الاحوال ظاهرة اجتماعية خاطئة، بجانب كونها ظاهرة متخلفة تحيل البشر الى أشباح متحركة، لا يستطيع احد ان يدافع عن ذلك الموقف من خلال الحديث عن (الحرية الشخصية)، فالحرية الشخصية بهذا المفهوم هي اختراق لحريات الآخرين من جهة، وحط من المفهوم من جهة اخرى، بل هي إهانة لمفهوم الحريات الشخصية على اطلاقه ،فلا يسمح لك كمواطن او زائر ان تسير عكس السير في الشوارع العامة في اي بلد انت فيها، وأن فعلت ذلك وادعيت بأن ما تفعله ( حرية شخصية) فسوف تعاقب لا ريب، ولا يسمح لطبيب ان يقوم بعملية جراحية وهو يلبس بدلة وربطة عنق، ان ذلك يسبب ضررا بالغا بالمريض و بالمجتمع، وبالتالي فان المجتمع من خلال قوانينه يمنعك من السير بالاتجاه المضاد او القيام باعمال بذاتها وانت ترتدي الملابس الخطأ! لبس النقاب بالضبط كالسير في الاتجاه المعاكس، وهو كالعملية الجراحية مع لبس البيجاما، إلا أن تلك أمثلة للتدليل على أن الحرية الشخصية مثلها مثل أي شىء آخر لها حدود ومؤطرة بقواعد عامة مقبولة عقلا من المجتمع. إلا أن السؤال لماذا يصر البعض على أن يلبس النقاب ويتخفى خلف غلالة كثيفة من القماش ، في الغالب الاسباب لا تخرج عن اثنين، الاول الجهل، أي الادعاء بان الاسلام قد فرض الحجاب من خلال لى عنق النصوص، و ادعاء التفسيرات غير العقلانية ،والثاني، وهو في تقديرى الاهم ( التسييس) اي اعتبار ذلك الأمر ( الاختلاف مع المجتمع والسير باتجاه جماعات مسيسة لاهداف خاصة بها) كلا التفسيران خارجان عن المنطق، ويدخلان في خانة المشاغبة على المجتمع. فان كنت معارضا فهناك مسار سياسي للمعارضة تستطيع ان تتخذه ،وان كنت تجهل الأمور ، هناك من يصحح لك فكرك ويقدم لك الفهم الصحيح ، فكيف يمكن لجماعة ترغب في النهل من العلم في مقاعد الجامعات والكليات العليا ، ان تتلقاه من شخص لا تعرف ولا ترى وجهه أو سحنته ، ما إذا كان رجلا أو امراة، إنسانا او غير ذلك، هو شخص يلبس الاسود من أعلى قمة راسه الى أخمص قدميه! الإشكالية التي نواجهها ان مثل هؤلاء الاشخاص يحاولون ابتزاز المجتمع من خلال القول، أما ان (لباسهم شرعى) وهو بالتأكيد غير ذلك، وإما أن لهم اتجاها سياسيا، يعبرون عنه بطريق غير سوية ، ومحاولتهم إرهاب المجتمع من خلال ذلك الملبس الغريب! لقد كان لرأى متخذ القرار في جامعة القاهرة، وهي أقدم جامعة عربية ، فعل الترحيب من جميع المستنيرين و العارفين بأمور الدين والدنيا على امتداد الوطن العربي ، فقد كسر ذلك القرار حاجز الخوف والتردد او المجاملة، و فلسفة الأمور على غير وجهها، وأدعوا شخصيا كل مؤسسات التعليم، وعادة ما تسمى (الحرم الجامعى) لحرمتها وموقعها في المجتمع ، أن تحذو حذو جامعة القاهرة في هذا القرارالصائب والموقف الحضاري، لأنه يمثل موقفا علميا وتخليص فهم الدين المعوج مما لحق به شوائب. فكرة النقاب فكرة سياسية بامتياز، علم ذلك من يقوم بارتدائه او لم يعلم، طبعا قد يجد الانسان نوعا من التبرير لاولئك الذين لم يحصلوا على حظ من التعليم أو فهم الحياة،ولكن لا يجد تبريرا لمن حصل على شىء ولو يسيرا من العلم الحديث، سواء الدينى او الدنيوي لإرتداء هذا النوع من اللبوس ،هي محاولة لتأكيد مسار سياسي يظن البعض انه يمكن ان ينفذ منه اعتمادا، اما على ابتزاز المجتمع على أنه أمر لا يقرب منه أحد، أو التخويف أنه أصل من أصول الدين لا يجب أن يجادل به أحد ،وكلتا الذريعتين غير قابلتين للتصديق في مجتمع يحترم العلم و يجل العلماء و يتمتع براى عام مستنير. النقاب عادة اجتماعية وهي عادة دخيلة على المجتمع العربي، فلا الفلاحة في القرى العربية لبست النقاب و لا راعية الأغنام فعلت ذلك، هي عادة اجتماعية اصبحت مضرة في العصر الحالي ،ومعطلة للتنمية المرغوبة، فكيف لممرضة أو طبيبة او مدرسة ان تقوم بعملها على وجه الدقة واليسر والإتقان ،وهي تختفي خلف غلالة سوداء أو رمادية،كيف لطفل ان يستسلم لفحص طبيبة وهي على تلك الشاكلة، او لمريض يتوخى العلاج من ممرضة على تلك الشاكلة، او تلميذ يرغب في التعلم الصحيح ومدرسته على تلك الشاكلة التي تختفي فيها آدميتها تماما عن الانظار،كيف لسيدة ان تقود سيارة في الشارع العام وهي مختفية خلف نقاب، وقد يكون ذلك الشبح ( ارهابيا) يروع الناس و يخل بالأمن متى توافرت له الفرصة . في مقلب آخر يتيح النقاب في الكثير من الاوقات تمرير توجهات الارهابيين، من خلال حمل القنابل أو السلاح، في هذا الثوب الفضفاض والادعاء كذبا بالحشمة، حتى لا يقرب احد للفحص او تفتيش هذا الشبح الماثل امامه، في مجتمع سوي بالطبع يرفض الغالبية من ابنائه مثل هذا التصرف. ارتداء النقاب والاصرار عليه حتى على كراسي العلم و التعليم، هو في جذوره موقف سياسي للنكوص بالمجتمع الى الخلف، والوقوف أمام محاولات التقدم والتحديث الفني والإدارى والمؤسسي موقف المعادي والرافض، هي محاولة لإبقاء المجتمع في مضارب التخلف، و توجيه الصراع في المجتمع بدلا من ان يكون صراعا بين الفقر و اليسر، و بين التوزيع العادل والفساد، الى صراع شكلي يُلهي المجتمع ويعطل الدولة، إنه محاولة مستمرة لتفريغ الصراع و حرفه من جوانبه الحضارية الى جوانبه الشكلية،واشغال المجتمع فيما هو فرعي وجانبي، فإن المطوب من الاقلام المستيرة والتى ترغب بأن يغادر مجتمعها الجهل والتخلف ان تقف مساندة لقرار إدارة جامعة القاهرة، مهما عظم كيد المضللين والظالمين. نقلاً عن الأهرام