لماذا نكتب ما دامت الأوضاع لم تتغير ولن تتغير؟ وما الذي يجعلنا نمسك بالقلم كلما شعرنا بالغضب رغم أننا نعلم أن طول اللسان واليد واللحية والعمامة أنفع للمواطن من طول المقالة والكلمة والحرف؟ ما الذي يجري في عروقنا، أهي دماء البشر أم أحبار المطابع؟ لا أدري ولكن ربما نحن كنبات صحراوي يحاول بالكلمات أن يكافح من أجل أن تبقى هامته فوق الرمال المحيطة به، ورغم ذلك فلن أكون غارقاً في المثاليات، لأن من العسير أن أقرر هنا ما إذا كانت أهدافنا في الكتابة شخصية أو موضوعية وحيادية؟ ولأنني لا أعتقد أن هناك موضوعية كاملة أو حيادية مستقلة فأجد من اليسير هنا أن أقرر أننا نكتب لأسباب مركبة. ربما أكتب لأنني أخاف على الكويت، وعلى ابنتي وأريد لها تعليماً أفضل، ووطناً أجمل، ولا أريد أن أرى ابني في صورة الطفل الغريق إيلان الكردي، ولا أريد لوطني واقعاً كواقع وطنه، وأريد لأبنائي أن يعيشوا في وطن يحكمه القانون حتى لا يبطش بهم أو بغيرهم أحد، وهذا سبب مركب، حيث إننا نكتب من أجل من نحب سواء كانوا أبناءنا أو أوطاننا. نحن نكتب حتى لا ننفجر، نكتب حتى نقتحم العالم باللغة، نكتب حتى نحتج على نقائص الحياة، نكتب لندافع عما اكتسبناه من الحياة المتوحشة، نكتب من أجل أن نشعر بإنسانيتنا وننتقد أوضاعنا، وعندها لن نشعر أننا نسبح في هذه الأوضاع، ولكننا نسمو عليها ونصرخ فيها بكلمة (لا)، حتى لو كانت الكتابة خيالاً غارقاً في أحبار الفشل، لأنها بالتأكيد ستكون أفضل من واقع غارق في أحبال اليأس، وحتى لو كانت الكتابة ساخرة أو جادة ولا يسمعها أو يقرأها أحد، فبالتأكيد ستكون أجمل من واقع عبوس منفصل عن واقعه بالعالم الافتراضي. ولهذه الأسباب جميعاًً فإن مقالي هذا (ليس المقال الأخير)، وسأكتب ولن أتوقف إلا بحكم محكمة أو بحكم ملك الموت، وربما عزيزي القارئ تتساءل، (وما علاقتنا نحن بأسباب الكتابة أو أسبابك أنت الشخصية؟) في الواقع هذه رسالة من قارئ إلى كاتب، ومن كاتب بسيط يحبو احتضنته مدرسة إعلامية هي «الراي» وإدارتها ليكتب في الصفحة الأخيرة إلى كاتب كبير يدير هذه الجريدة ويكتب في صفحتها الأولى. بالتأكيد أنت لست بحاجة لمثلي لأن يذكر مثلك بأسباب الكتابة، ليس بسبب فرق العمر بيننا ولكنه بسبب فرق السطور، وربما وجدتني أتفلسف أو أنمق العبارة فيما ذكرته، فإذا شعرت بذلك فاضرب بكلامي السابق عرض الحائط، ولكن قل لي يا أيها العم (بو مرزوق) كيف سيكون جوابك على صوتك الداخلي عندما يصرخ فيك قائلاً هل مازال فضاؤك موجوداً أم أن اليأس هدمه؟ أيها العاشق للإعلام حتى آخر سطر، ما نعرفه عن العشاق أنهم إذا شعروا باليأس فإنهم لا يكسرون أقلامهم ولكنهم يسنونها من أجل أن يشعروا بالأمل، وحتى لو كنا يائسين فلنجعل القلم بوقاً نصرخ فيه قائلين للقارئ «حتى ونحن نسقط نفكر في الجسور». فيا حملة القلم... اكتبوا، واملأوا العالم ضجيجاً وصراخاً حتى لا ينام علينا الواقع بثقله فنموت اختناقاً، وحتى لو كان الآخرون لا يسمعون، فإن هذا لا يعطينا الحق في ألا نصرخ. ورغم أنني أظن «وكثيراً ما يخيب ظني» أنه في الغالب لن يؤثر هذا المقال على رأيك، إلا أن هذا لم يمنعني من الكتابة، لأنني أؤمن أنه (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان... ولكن بالحبر أيضاً)، وأتمنى أن تكون هذه الرسالة صداعاً في التفكير العميق والقناعة الصلبة التي جعلتك تعتزل الكتابة. قصة قصيرة: سأله صديقه: ما الذي ستفعله عندما تنتهي قصصك القصيرة، هل تتوقف؟ فأجاب: لا...سأجعل من هذا الموضوع قصة قصيرة.