الرياض - عندما نستحضر العلاقات بين الرياض وبكين؛ فإن أكثر ما يبرز في أذهاننا تلك الأرقام التي تتحدث عن حجم التبادل التجاري، وحركة البضائع المصدرة إلى المملكة، وعدد الناقلات التي تحمل النفط إلى البر الصيني، وهذا في مجمله أمرٌ يبعث على الإعجاب، إذا ما علمنا أن التبادل بين الجانبين كان يشهد عاماً بعد عام قفزات هائلة، وحالة توثب لا تهدأ. وعلى هذا الأساس بدأ الجانبان بضخ مزيد من الأموال والجهد، باعتبار أن النفط هو العصب الرئيسي في علاقة البلدين ببعضهما البعض، وفي التاريخ كانت السلع مصدراً رئيساً ومهماً في بناء العلاقات بين الدول، وفي خضم العملية الاقتصادية قديماً حدثت حركة اجتماعية وثقافية ومعرفية لا تزال واضحة للعيان، فالتأثير الذي تركته القوافل التجارية لايزال شاخصاً وواضحاً أمامنا.
لكن ما يحدث اليوم في عصر العولمة والتقنية والمواصلات السريعة أفقدنا كثيراً من التأثير الذي كان يفترض أن تسهم في نقله التكنولوجيا الحديثة، وهذا ما لم يحدث في طبيعة العلاقات السعودية - الصينية. فالبلدان اللذان يحتلان موقعاً مهماً -سواء الشرق الأوسط أو الشرق الأقصى- لا يبدوان منهمكين في معرفة بعضهما بشكل أكبر، إلا في حدود التجارة والمال، وهذا لوحده لا يمكن أن يؤسس لعلاقات تتعدى عصر النفط والبضائع قليلة الثمن. إننا معنيون في المملكة بالتعرف على الصين بشكل أكبر وأكثر عمقاً، والتعرف على الداخل الصيني وتفاصيل الوضع السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، والتقليل من اهتمامنا في دعم الصينيين لتعلم اللغة العربية، فالصينيون يعرفون لغتنا ويدرسونها منذ عام 1943م في جامعاتهم، وبالتالي فإن علينا التوسع في استقطاب طلاب لدراسة العلوم الاجتماعية الأخرى التي تعرف الصينيين بنا عن كثب، فليست الدراسات الإسلامية وحدها هي التي يهتم الصينيون بها؛ بل يُفترض أن يشمل ذلك التعرف على التاريخ السعودي والجغرافيا والأدب، وكلها تخصصات تفتح نافذة يطل من خلالها الصينيون على بلادنا؛ بدل أن يدرسوا تاريخ المملكة في جامعات أخرى ربما تبرز الجوانب السلبية وتغفل الجوانب الإيجابية.. ونحن لا نبحث هنا عن توجيه معرفي بقدر ما نبحث عن موضوعية في تلقي المعرفة.. إن ما يترتب على الجهل المعرفي خطير للغاية وقد يهدد المكتسبات الاقتصادية والسياسية التي بنيت في سنوات عدة بين الجانبين.
يجدر بنا أن نشجع ونستثمر في بناء قاعدة علمية معرفية عن الصين نستفيد منها في فهم بلد يشهد صعوداً قوياً وحضوراً مؤثراً على جميع مستوياته، كما تفعل دولة مثل إسرائيل وإيران التي تدفع بقوة في هذا الاتجاه، فلديهم مراكز دراسات متخصصة في الشؤون الآسيوية والصينية وحركة أبحاث قوية، كما أن ابتعاث الطلاب للصين لتلقي العلوم الإنسانية لفهم المجتمع الصيني والسياسات والتاريخ وكذلك اللغة الصينية، مهم للغاية.. نراهن أن أعداد السعوديين الذين يجيدون اللغة الصينية بسيط ولا يعكس اهتمامنا بهذا البلد، ولا يدل على نظرة استراتيجية صوب تجذير العلاقات بين الجانبين، واللغة في الأساس مفتاح من خلاله نلجأ إلى معارف أي ثقافة فنقرأها ونفهما بلغتها، وللصين إرث غني مكتوب، نجهل معظمه، ولا نعرف شيئاً عن تلك البلاد إلا ما وصلنا منها عبر قنوات غربية.. وهذا مصدر غير محايد. نأمل أن نرى تزايد الحراك الثقافي والمعرفي بين المملكة والصين؛ كما يحدث ذلك في الجانب الاقتصادي، فما الفائدة من حاويات تقف على أرصفة الموانئ أو بواخر نفط تعبر عباب البحر، إن كنا نجهل ثقافة بعضنا ولا نجيد التواصل بيننا؟