الاتحاد - كان أول تصريح نطق به وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بعد إعطاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الضوء الأخضر لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده يوم السبت الماضي هو: «إن الوقت حان لاتحاد الشعوب الإسلامية من أجل إنقاذ العالم من التطرف». التصريح يحمل لغة إغراء للرأي العام الغربي نحو بلاده حتى وإن كان غير صحيح، بل «ودغدغة» الوزير لحاجات الإنسان العادي في الغرب حالياً، وبالتالي مخاطبته له مباشرة، خاصة في ناحية التطرف، فمن المعروف أن الإنسان الغربي يقدم حاجاته الأساسية التي تمسه مباشرة، والتي تؤدي بالتالي إلى تحقيق الحاجات الأخرى التي تكون أقل مساساً به. ومثال ذلك: الكوارث الإنسانية المتمثلة في عمليات التفجير التي يقوم بها «داعش» والهجرات البشرية الناتجة عن الحرب الطائفية التي تقودها إيران في المنطقة.
يلاحظ محللو الشؤون الدولية والسياسات الخارجية أن «ظريف»، صاحب الابتسامة الشهيرة لكن غير البريئة، هو أبرز مخرجات الحكومة الإيرانية الحالية، وليس حسن روحاني كما يعتقد البعض، فهو يجيد أسلوب التعامل مع الغرب في شقه السياسي، تساعده في ذلك خبرته الطويلة في الأمم المتحدة، كما يجيد التعامل مع الإنسان الغربي العادي باستخدام مجموعة من المواطنين الغربيين من أصول إيرانية، ولهذا فإن نجاحه في إقناع الغرب، ومعه الشرق، بما تفعله بلاده، كان أحد العوامل الرئيسية في الجلوس أولاً مع القوى الكبرى في التفاهم على «الخلاف» حول الملف النووي الإيراني، ومن ثم رفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده والتوصل إلى اتفاق عرف بأنه تاريخي.
واللافت في هذه النقلة السياسية بين الغرب وإيران أن الأخيرة استطاعت التلاعب بالقناعات الغربية حولها، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية عنها والظهور بمظهر الدولة المسالمة، رغم الحملات الإعلامية على سلوكياتها السياسية، لذلك ينبغي للتحليل السياسي هنا أن يركز على عاملين مهمين، أولهما أن إيران متغلغلة في العديد من المؤسسات السياسية والأكاديمية والإعلامية الغربية، من خلال مواطنين أميركيين أو أوروبيين من أصول إيرانية ويعملون كمستشارين أو محاضرين هناك، ويجتهدون من أجل إبراز الصورة الإيجابية لإيران، ومن هؤلاء على سبيل المثال: والي نصر مؤلف كتاب «الصعود الشيعي»، والذي عمل مستشاراً للبيت الأبيض في عهد الرئيس بيل كلينتون، وقد استطاع أن يوهم الغرب بأن الشيعة هم أقل تطرفاً، ولكن الحقيقة غير ذلك إذا تابعنا ما يحدث في العراق وسوريا من ممارسات تقترفها الميليشيات المدعومة من إيران، ومن هؤلاء المستشارين والمحاضرين الإيرانيين في الغرب أيضاً سحر نوروز زادة المسؤولة عن الملف الإيراني في مجلس الأمن القومي الأميركي.
إن هؤلاء، رغم ما يفترض من أنهم معارضون للنظام الإيراني، إلا أنهم في الواقع يعملون لمصلحته. أما العامل الثاني، ويعد الأخطر، فهو قيام إيران بجهد غير عادي لضمان التأثير في الغرب، حيث تشير بعض التحليلات إلى أن المسألة وصلت إلى شراء النفوذ وبناء علاقات ذات مصالح، أو ما يعرف سياسياً بإنشاء «اللوبيات»، ما يعني أن حالة التغير الغربي حول إيران محددة كهدف من زمن بعيد، بل البعض يرجعها إلى عهد الرئيس رونالد ريجان الذي ساعدها في شراء أسلحة لمحاربة العراق.
النقطة المهمة التي ينبغي ألا تفوتنا، ونحن نحلل التعاون المستقبلي بين إيران والغرب بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، هو أن المنطقة دخلت عهداً جديداً ربما يكون هو الأخطر من حيث الاستقرار من منطلق أن السياسة الإيرانية لا تزال تواصل تدخلها في الشؤون العربية، وبالتالي مع الإفراج عن نحو 150 مليار دولار، فهذا يعني مباشرة زيادة الدعم لأذرعها السياسية في المنطقة، مثل «حزب الله» اللبناني، كما أن مجال التعاون الغربي مع إيران مفتوح ليشمل جميع المجالات وليس ملفي الاقتصاد والسياسة فحسب، حيث يوجد ملف التطرف أيضاً، وبالتالي فإن مسألة «تعميق» الخلاف الطائفي ربما تزيد مستقبلاً، لاسيما أن إيران تجيد التلاعب بهذا الملف، واللعب على الوتر المذهبي من أجل تحقيق أهدافها السياسية في المنطقة.
وقد استطاعت إيران الاستفادة من البيئة الدولية «المتراخية» مع تجاوزاتها، وخاصة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي سمحت لها باللعب في المنطقة مركزةً على الجانب المصلحي، من خلال إغراء الغرب بزيادة كمية النفط الإيراني المصدرة، ومن خلال توقيع عقود مع شركات غربية كبرى، مثل شركات النفط الأميركية، وكذلك عقود مع شركات مصنعة للطائرات من خلال «خداع» العفوية الغربية يساعدها في ذلك اللوبي الإيراني المنتشر في دوائر صنع القرار. لكن الأيام القادمة كفيلة بإظهار الوجه الحقيقي للطموحات الإيرانية التي ربما يتفاجأ بها الغرب!