الرياض - ترتبط فرنسا بالنسبة للإيرانيين بجملة من الذكريات السياسية المهمة، التي لا تزال حاضرة وتتفاعل بشكل يبعث على أن نتساءل حول مكانة هذا البلد الأوروبي في نفوس السياسيين الإيرانيين، ففي قرية "نوفيل لو شاتو" الباريسية الوادعة كان الخميني يدير ثورته من هناك، ويبعث بأشرطة "الكاسيت" إلى الجماهير الإيرانية.. واليوم تحتضن العاصمة الفرنسية ذاتها أهم الحركات الإيرانية المعارضة وهي حركة "مجاهدي خلق" التي تترأسها مريم رجوي، وأول رئيس لإيران بعد الثورة أبوالحسن بني صدر، ووجوه من العائلة البهلوية الإيرانية.
واليوم يجدد الرئيس الإيراني حسن روحاني علاقة بلاده بفرنسا، حيث كانت آخر زيارة قام بها رئيس إيراني قبل 17 عاماً، كما أن فرانسوا هولاند كان أول رئيس أوروبي يحل فيها بعد توقيع الاتفاق النووي مع القوى الكبرى.
وفي خضم هذا السرد التاريخي الموجز، يجدر بنا أن نشير إلى أن مواقف فرنسا -لاسيما فيما يخص الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك تجاه تدخلات طهران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة منذ البداية- كانت مواقف إيجابية، لكن في واقع الأمر لم تكن تلك المواقف كافية لردع أو إيقاف إيران عند حدها، بل إن التمادي هو ما نلمسه اليوم في سلوك طهران العدائي، وهو أمر يجب أن تقف له فرنسا بكل قوة، لاسيما أن تلك التدخلات تؤثر بشكل مباشر على مصالح الدولة الفرنسية وعلاقتها مع حلفائها، صحيح أن لباريس الحق في البحث عن أفق جديد وشراكات جديدة وأسواق تجارية، كما هو الحال في السوق الإيرانية التي تستعد للانفتاح تجاه العالم، لكن حري بالفرنسيين الذي يكافحون الإرهاب على كافة الصعد أن يضعوا في اعتبار الرئيس روحاني الذي سيستقبل في الاليزيه أنه لا يمكن استعمال الأموال التي ستتوفر لطهران بفعل الاتفاقيات التجارية أو الاقتصادية لتمويل أعمالها الإرهابية الموجهة في أغلبها إلى حلفاء فرنسا في المنطقة وعلى رأسهم دول الخليج.
يجب على الدول الأوروبية -وفرنسا خصوصاً- الاستثمار في رفع العقوبات عن إيران المتلهفة والمتعطشة للانفتاح على الأسواق والتقنيات والمنتجات الأوروبية لمنع استمرارية طهران في سلوكها العدائي، والضغط عليها لتسهم بإيجابية في حل أزمات المنطقة، بدءاً من الحرب في سورية التي تضخ فيها إيران المال والجنود، وكذلك تعطيلها من خلال "حزب الله" الاستحقاق الرئاسي في لبنان، ودعمهم انقلاب "الحوثيين" في اليمن، وغيرها من التدخلات المضرة بالمنطقة، والتي تنعكس سلباً على الدول الإقليمية والدولية.
إن فلسفة الاتفاق النووي حسب الطرح "الأوباموي" تقوم على أن فوائد الانفتاح ستحسن سلوك إيران، وبالتالي فإن ربط هذين العاملين ببعضهما منذ البداية سيدفع طهران صوب السلمية والعلاقات الودية مع جيرانها لجني فوائد اتفاقها، لا أن تترك لتجني ثمار الانفتاح قبل أن تؤدي حقها.