الرياض - إن كانت بكين قادت النمو العالمي في العقد الماضي، فلا ريب أن الموجة المقبلة من النمو يجب أن نترقبها من أكبر القارات، فلا القارة العجوز قادرة على النهوض، ولا أميركا بصدد ذلك؛ وهي التي للتّو تلتقط أنفاسها بعد تعافيها من الأزمة المالية، ولا أفريقيا الغارقة في الظلام أمام بصيص نور مرتقب.
وأمام هذه المعطيات يجدر بنا التركيز أن ننجز مهمة اقتصادية ناجحة كما كانت مع الصين، وتبدو الهند -التي يحدو رئيس وزرائها ناريندرا مودي رغبة في استنهاض اقتصادها بعد حالة من النمو المتباطئ- شريكاً مؤهلاً وبقوة لمثل هذا الدور، خصوصاً وأننا في هذه اللحظة نعيش على وقع رغبة في تنويع مداخيلنا بعيداً عن الاعتماد على النفط، لكن ذلك سيستغرق وقتاً.. ونعرف أن هذه السلعة لطالما ارتبطت بالنمو الذي تريد الهند أن تسجل أرقاماً عالية على مقياسه..
وحسب وكالة الطاقة الدولية: "تتجه الهند للإسهام أكثر من أي بلد آخر في ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة"، ومن هذا المنطلق فإن شد عُرى التعاون معها في القطاع النفطي قد يكون رافعة قوية لجلب فوائد عدة لاقتصادنا المتطلع للاعتماد على المعرفة.. وغني عن القول حجم التأثير التكنولوجي للهند في سوق التقنية العالمي، وإن كان عزمنا على فتح المجال للشركات القادمة من الخارج فإن رؤوس الأموال الهندية في مجال التجزئة ستجد موقعاً بارزاً في أسواقنا، إضافة إلى بعض الصناعات الثقيلة.
وبالعودة إلى الطلب على الطاقة يجدر بنا أن نلتفت إلى نقطة جوهرية تخص علاقة الهند مع إيران في هذا المجال، فعلى الرغم من انخفاض الطلب الهندي على النفط الإيراني، إلا أن طهران تحاول -باستماتة- الاستحواذ على نصيب معتبر من العقود النفطية، لكن إيران لن تستطيع العمل بكفاءة ولياقة المملكة في المجال النفطي، فالبنية البترولية لطهران لا يمكن الاعتماد عليها في كل الأحوال.. وبحسب مصادر مطلعة تعاني المصافي الإيرانية من القِدم؛ ما يحتاج لسنوات لإصلاحها وتأهيلها، وهذا لا يمكن لاقتصاد نشط الارتهان له، من هنا فالمبادرة من جهتنا واجبة، وأتذكر أننا قابلنا مسؤولاً نفطياً هندياً رفيعاً قبل سنوات وعبّر عن رغبة بلاده بناء مخزن إستراتيجي للنفط السعودي في الهند.
لكن النفط لا يجب أن يكون مصدراً وحيداً لأهمية الهند لنا، فالدولة الهندية في تاريخها الحديث وحتى يومنا هذا تعيش مرحلة تجاذبات بين الشرق والغرب، وأعني تحديداً بين روسيا وأميركا، وعلى الرغم من أن واشنطن حاضرة بشكل رئيسي، لكن الهند لم تنسَ إرثها مع أصدقائها الشرقيين فاندمجت معهم في "البريكس"، ووطّدت علاقاتها مع بكين وموسكو التي نوّهت بأحقية نيودلهي في مقعد دائم في مجلس الأمن، في حين لم يجد طلبها في الحصول على مقعد مراقب في منظمة التعاون الإسلامي -كونها أكبر بلد غير إسلامي يحتضن مسلمين- آذاناً صاغية، كما أن مواقفها متماشية مع قضايانا الأساسية، لا سيما الفلسطينية..
صحيح أن تعاونها متميز مع إسرائيل، لكن ذلك قد يكون سبباً لتقوية أواصرنا معها لا إضعافها.. والأمر ينطبق أيضاً على نيودلهي وإسلام أباد اللتين لا توادان بعضهما، فلا يجب أن نرهن نحن ولا هم علاقاتنا مع أي دولة بعلاقاتها مع دولة أخرى؛ بل أن نستفيد من تقاطعات السياسة؛ لا أن نقاطعها.