الرياض - خرجنا من حادثة مسجد الرضا في حي محاسن بالأحساء بأقل الخسائر في الأرواح، رغم أن كمية المتفجرات في الحزامين الناسفين كافية أن تسقط الأبرياء في مجزرة بشعة، ولكن الله سلّم أولاً، ثم تواجد رجال الأمن المحيطين بالموقع، وتعاون المواطنين وتعاملهم مع الموقف بشكل إيجابي، وهو ما ساهم في إفشال العملية الانتحارية اليائسة، وكسبنا منها نجاة أحد المنفذين ليكون مصدراً للمعلومات عما تبقى من خلايا نائمة، والتعرف على مصادر الدعم والتخطيط من الداخل والخارج، ووسائل التغرير والتجنيد بالمراهقين على النت، كما اختبرنا مع هذه الحادثة صفنا الواحد الذي أظهر تماسكه، وقوته، وقدرته على التحمل ومواجهة التحديات بصبر وعزيمة وثبات.
حتماً الحادثة تحمل بصمة "داعش" التي اعتادت على تفجير المساجد، ومن خلفها جمهورية إيران الإرهابية، وأذرعها الشيطانية في المنطقة، والهدف واضح هو محاولة شق الصف، والدخول في نفق الطائفية الذي لن ينجو منه أحد، وتأزيم الموقف إلى حدّ المواجهة، ولكن هذا المخطط ارتد على منظريه، ومروجيه، ومنفذيه؛ لأن الشعب واحد، وواعٍ، وأكثر حرصاً من قيادته على وحدته.. هذا الشعب الذي استعصى على إيران وأذناب إيران والغرب المتعاطف مع مشروع هيمنة إيران على المنطقة..
الشعب الذي كلما حاولوا أن يجرّوه إلى مستنقع الطائفية زاد تمسكه بوحدته، والحفاظ على أمنه واستقراره.. وكلما حاولوا أن يستفزوه أو يثيروه أو يحبطوه بقي على عهده بوطنه وقيادته.. شعب مؤمن أن الإرهاب لن ينتصر مادام فيه روح تفدي الوطن وتضحي من أجله.. شعب لن يفرّط في منجز "عبدالعزيز" ورجاله حتى لو بلغت روحه حلقوم حياته.. وسيبقى مخلصاً لرسالته، ومحباً لقيادته، ومتصالحاً مع ذاته، ومتعايشاً مع الآخر.. ينشد السلم، ويحفظ الحقوق، ويرعى المواثيق، ويخدم الحجاج والمعتمرين، ولا يخشى أحداً ما دام الله هو الناصر والمعين.
هذا الشعب الوفي يصنع موقفه، ويستقل في التعبير عنه، ويشاهده العالم في صورة تلاحم ومحبة قلّ أن تجدها، أو ربما لن تجدها.. الصورة التي تكون فيها القيادة مع الشعب في مشهد فريد أظهر أن قوة الوطن بأبنائه، وأن الجميع في صف واحد من العمل والمسؤولية، وأن مصاب أحد هو مصاب الجميع، وعلينا أن نواسيه، ونقف بجانبه، ونتداعى إليه.. هذه الصورة ترجمتها زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف لمحافظة الأحساء وتعزية أسر الضحايا في الهجوم الإرهابي، والاطمئنان على سلامة المصابين، حيث كانت مشاعر الحب والوفاء بين الجميع ناطقة باسم الوطن.. وحفاوة التعبير عن المواطنة مصدر سعادة ورضا بتجاوز الحادثة إلى ما هو أهم في الثبات على مواجهة الإرهاب، وأتباعه، ومعالجة أسبابه..
كان الحوار عفوياً، جميلاً، صادقاً.. كانت الرسالة واضحة للخارج قبل الداخل.. كان الجميع يشاهد ولي العهد وهو ينقل تعازي الملك وولي ولي العهد إلى أسر الشهداء بمثابة درس في القيم الوطنية التي لا تنفصل عن أبناء الجسد الواحد.. وهو يتحدث مع رجال الأمن كانت خبرته وتجربته ودقته كافية لمعرفة التفاصيل، وما وراء التفاصيل لاتخاذ القرار، وبناء الخطط، أو تعديلها؛ لأن ما هو قادم يتطلب يقظة أكبر، خاصة أن الهدف واحد ولكن وسائله ومواقعه متعددة.
الجميع شاهد الحدث من خلف الشاشات وهو سعيد رغم المصاب من أن الوطن بخير، وقيادته قريبة من أبنائها، حين يقطع ولي العهد إجازته الخاصة ويعود إلى الوطن ليباشر مهمة العمل، ويقف إلى جانب المكلومين ممن صادر الإرهابيون حياة أعز الناس لديهم، ويتابع ميدانياً تطورات الحدث.. كان حضور ولي العهد حافزاً معنوياً للجميع، ورسالة اطمئنان على أمن واستقرار الوطن، ورسالة لنا جميعاً أن نكون يداً واحدة، وقادرة على صفع الإرهاب الفارسي.. لتبقى محاسن شاهدة على وجه الإرهاب القبيح، ودرساً في الوحدة والوفاء.