الرياض - لا قضية تسجل باسم مجهول بالنسبة للأمن السعودي، ولا تهاون في أمن الوطن والمواطن، ولم تنل المؤسسة الأمنية في المملكة الاحترام والتقدير الذي تحظى به اليوم على المستوى المحلي والدولي إلا بإنجاز حققته بكل احترافية ومهارة من خلال قدرتها على مواكبة الحاصل في المشهد الأمني الإقليمي البالغ التعقيد، والذي يمكن مشاهدة انعكاساته الوخيمة في عدة دول جرفتها تداعيات المنطقة التي تعيش واقعاً متأزماً، أو دولاً أصابها شرر تلك التداعيات الإرهابية، فحالة الفوضى سمة حاضرة في واقعنا العربي والشرق أوسطي بشكل عام، وتلازم تلك الحالة على الدوام ظاهرة الإرهاب؛ فبيئته ومحضنه الطبيعي هي القلاقل والاضطرابات، لذا كان الرهان اليوم في منطقتنا مرتبطاً بكفاءة أجهزتها الأمنية وقدرتها على مواكبة التطورات المتلاحقة.
الإرهابيون الذين نذروا أنفسهم في خدمة أفكار الضلال والشر، سعوا إلى ابتكار حيل ودسائس لتنفيذ عملياتهم الدموية ومخططات الفتنة والترهيب، بعد أن أوعز لهم بذلك وجنّدهم من يريد بالإسلام وبلاد المسلمين الإساءة والأذى، فقاموا من أجل تظليل رجال الأمن في المملكة بالاستفادة من تطور تكنولوجيا الاتصال التي تتيح خاصية التخفّي وراء معرّفات يقومون بواسطتها بتجنيد أتباعهم، وبث سموم أفكارهم، مستغلين ذلك الانفتاح المعلوماتي الواسع.. لكن ذلك لم يكن الجانب الوحيد الذي عمل عليه رواد الفكر الإرهابي ودعاة نشره..
الأيديولوجية الإرهابية تطورت هي الأخرى، والمفاهيم والطروحات وخطاب الإرهاب اختلف عنه في السنوات السابقة، إذ وبسبب البيئات الحاضنة التي تشكّلت بفعل الاضطرابات التي عصفت بالمنطقة، أصبح هذا الفكر يحاول ركوب موجة الطائفية التي أشعلتها إيران في العراق والبحرين واليمن ولبنان وسورية حيث توافرت بفضل تلك الموجة بيئة جاذبة ومغناطيسية للإرهابيين.
في مقابل ذلك ضربت المؤسسة الأمنية في المملكة موعداً مهماً مع هذه التطورات المتلاحقة، فأخذت بعين الاعتبار تداعيات المشهد متحملة مسؤولية أمنية معقدة، مستهدفة البنية التحتية لتلك التنظيمات، مستندة في ذلك على حصيلة وخبرة عتيدتين في مجال مكافحة الإرهاب، جعلت منها مرجعاً دولياً معتبراً يُعتد به في الحصول على معلومات من شأنها درء خطر يتهدد هذه الدولة أو تلك، بل إن الجهاز الأمني في المملكة لطالما بعث برسائل تحذيرية لنظرائه في عدة دول، يطالبها بأخذ الحيطة والحذر، بل أحياناً تم تحديد المواقع المستهدفة في تلك الدول بدقة.. لذا كانت المملكة شريكاً مهماً وأساسياً في عمليات مكافحة الإرهاب لتصديها له بكل شراسة.
في المقابل لم يقلل بروز التقنية وتسخيرها في العمليات الإرهابية من قوة وكفاءة المؤسسة الأمنية، بل كان هناك تطور تقني أتاح الوصول والكشف عمّن يختبئ خلف المعرّفات، بل يمكن القول إن تلك التقنية قد خدمت وأزالت غموضاً ربما قد يكتنف بعض الجوانب، فبفضل التقنيات المتطورة صار بالإمكان معرفة مواقع الإرهابيين وداعميهم، وشكّل ذلك رافداً مهماً لاستجلاء الحقائق بمنظور أوسع وأشمل.
لم يكن التعقّب الأمني وحده حاضراً، بل جاءت المتابعة حثيثة لعملية التحوّلات الفكرية لهذه التنظيمات الإرهابية وما تطرحه من مسوّغات للقيام بعمليات التخريب والإفساد التي تتبناها، وإيماناً بالتصدي لمثل هذه الأفكار تم إنشاء مراكز لتصحيح وتصويب الشُبه والمغالطات التي يحاول الإرهابيون من خلالها إضفاء الشرعية على أعمالهم واستقطاب عناصر لتنظيماتهم.
تعيش المنطقة بأسرها، بل العالم، تحت واقع تحدٍ أمني يمكن مشاهدته بكل وضوح في حجم التدابير والاحتياطات الأمنية، والميزانيات التي رُصدت والاستراتيجيات التي أُعدت لذلك، وفي خضم هذا المشهد، كانت المؤسسة الأمنية في المملكة حاضرة بكفاءة ووعي واقتدار