2016-02-01 

إيران واختراق النظام الإقليمي العربي

حميد المنصوري

الاتحاد - يعتري النظام الإقليمي العربي عدم وجود وحدة للمخاطر والتحديات التي تُواجهه، إلى جانب عدم احتوائهِ على دول صناعية متقدمة، والذي بدورهِ جعل «النظام الإقليمي العربي» مخترقا من قبل الدول العظمى. وهو ليس اختراقاً بقدر ما هو تداخل، خاصةً إذا أدركنا بأن الدول العظمى لها قدرات مادية ومعرفية متعددة وهائلة مع مصالح متشعبة في سياق أن العالم يحتاج لها من خلال صناعاتها وسلعها المتعددة وقدرتها على تحقيق الأمن لدول عديدة، لذا هي عظمى. لنسلم بذلك، ولكن كيف نجحت إيران بعد الثورة الإسلامية الشيعية، وهي لا تعد من الدول العظمى، ولا حتى القوية في اختراق النظام الإقليمي العربي؟ وهو الذي جعلهُ يبدو ضعيفاً أمام أطماع إيران التي تمتد إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، خاصةً مع ما يحملهُ مستقبل الاتفاق الأميركي الإيراني النووي من تنامي القوة الإيرانية إقليمياً ودولياً، إلى جانب رهان إيران على عجز الدول العربية الخليجية ونظامها الإقليمي العربي في صدها.

 

تعد المذهبية في المعادلة الجيوبوليتيكية الإيرانية هي الوسيلة الأساسية في اختراق النظام الإقليمي العربي، فقد اعتمدت إيران تصدير ثورتها إلى المنطقة العربية من خلال الانتماء للمذهب الشيعي بصور متعددة، فعلى سبيل المثال استطاعت جعل «حزب الدعوة» العراقي يقاتل بجانبها في الحرب الإيرانية- العراقية، وهذا ليس غريباً، فالمعتقد المذهبي الديني له قوة كبيرة وطموح مشترك. وفي الوقت الذي كانت فيه خلافات بين القذافي ونظام «البعث» العراقي، شاركت ليبيا عسكرياً إيران ضد العراق، لتعكس لنا مدى التهالك الذي أصاب النظام الإقليمي العربي بعد انحصار المد القومي العربي.

 

 

 

ولعل الطريق نحو الجيوبوليتيكية الإيرانية الإسلامية الشيعية تمثلت في لبنان أيضاً كالعراق، فقد كانت إيران تريد أن تنال دوراً فوق الدول العربية، فراحت إلى قضية احتلال فلسطين عبر لبنان لتنال إعجاب وتأييد بعض الشرائح الاجتماعية العربية، فبدأت إيران الثورة تبحث عن «تنظيمات على غرار منظمة فتح»، وهنا رأت في حركة «أمل» الشيعية عائقاً لأسباب عدة منها الخلاف في قضية اختفاء موسى الصدر «مؤسس حركة أمل» في ليبيا، وعلاقات إيران الثورة مع النظام الليبي، إلى جانب دعم الخميني لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في صراع مع حركة «أمل» في لبنان، مع حقيقة كون أن حركة أمل كانت لا تريد الخروج من النظام الإقليمي العربي والدولة اللبنانية، وجدير بالذكر أن «الخميني» نعت النظام السياسي اللبناني آنذاك بالفاسد. لذا استطاع الحرس الثوري الإيراني أن يخلق ذراع إيران الجديد وهو «حزب الله» في ظل الحرب الأهلية اللبنانية، التي كانت بين الأحزاب والطوائف اللبنانية المختلفة، والسلطة الفلسطينية، والنظام السياسي اللبناني، مع أطراف إقليمية ودولية من إيران والعراق وسوريا وغيرها إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وكانت براجماتية حافظ الأسد «مدعي القومية العربية» عالية عندما حوّل الصراع مع إيران في لبنان إلى تعاون ضد مسلمات النظام الإقليمي العربي ووقف في صف إيران ضد العراق خلال الحرب الدائرة بينهما، وحتى الخلاف السياسي بين منظمة «فتح» الفلسطينية وإيران نتج عنه دعم «حماس»، ولم تستحي طهران البراجماتية من أن تساوم منظمة «فتح» بأن دعمها لـ«حماس» سوف يتوقف إذا سارت خلف السياسات الإيرانية. فكل ذلك يطرح طموح إيران في السطو والسيطرة على أهم القضايا العربية والإسلامية «القضية الفلسطينية» بعيداً عن النظام الإقليمي العربي، فالقضية الفلسطينية كانت رداءً لإيران أيضاً لخلق «محور الممانعة» مقابل «محور الاعتدال» مع ترويجها للساحة العربية بأن «حزب الله» في لبنان دورهُ مقاومة إسرائيل، فكل ذلك عكس مدى قوة الاختراق الإيراني للنظام العربي مرة تلو المرة.

 

والوجه الآخر لاختراق إيران النظام الإقليمي العربي هو ما يمكن أن يسمى تبعية العراق لإيران بسقوط نظام «البعث» العراقي، فقد حضنت إيران المعارضة العراقية لإسقاط نظام «البعث» ثم تحكمت في العراق، وأصبحت إيران طرفاً أساسياً في العراق مع المحتل الأميركي، ونتج عن ذلك صراع وتعاون بين الطرفين، وخضعت بغداد إلى تبعية الفلك الإيراني في جوانب أمنية وسياسية ومذهبية، وليس من المبالغة القول إن «العراق» أصبح ممثل إيران في الجامعة العربية. ومن الأهمية بمكان الاعتراف بأن إيران عارية من المبادئ التي كانت تدعيها في دعم المستضعفين من الشعوب ويكفي هنا التذكير بالدور الإيراني في سوريا عبر دعم النظام السوري ضد الثورة الشعبية والمشاركة في قتل وتشريد وتدمير الشعب السوري عبر أذرعها من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس» و«حزب الله» ومرتزقة باسم الدين الشيعي، كما أن لها دوراً في القتل الطائفي في العراق.

 

ويعد أهم أهداف الجيوبوليتيكية الإيرانية جعل الخليج بحيرة فارسية، وهو الهدف ذاتهُ الذي كان عهد الشاه يسعى لتحقيقه، وإذا نظرنا لاستمرار احتلال الجزر الإماراتية ومحاولة إيران السيطرة على اليمن من قبل الحوثيين إلى وضع العراق التابع أمنيا وسياسيا لإيران، نكتشف حقيقة ذلك الطموح الغادر. إنها لمعضلة كبيرة تواجه النظام الإقليمي العربي اليوم بأن تسقط المواطنة بسبب المذهبية الشيعية، فروح المذهبية الدينية الشيعية عبر قيادتها من قم وطهران لا تحمل وطناً، بل مشروعاً صفوياً شيعياً تمتزج فيه العرب الشيعة وغيرهم بالتبعية المذهبية وتنفرد فيه القيادة الفارسية. حقيقةً المواطنة لدولة ما عربية تحمل حقوقا وواجبات وانتماء عبر التنشئة السياسية والاجتماعية والنظام السياسي والإطار القانوني، وهذه الدولة تعكس هويتها العربية والإسلامية عبر أدوار في مؤسساتها وأجهزتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية. ومن الأمثلة الصارخة في هذا الشأن قضية خلية العبدلي بالكويت، والبحرين مثال قوي أيضاً على تكرار التدخل الإيراني عبر اللعب بالمذهبية الذي يهدد الأمن البحريني والخليجي.

 

وعلى الصعيد الثقافي والحضاري يكمن اختراق آخر، فإيران تحاول عبر عمليات إعلامية وثقافية مبرمجة ومخطط لها إقليمياً ودولياً إبراز أهمية العنصر الفارسي في وصول الحضارة الإسلامية إلى العالمية على حساب العرب منبع الرسالة ونواتها وغيرهم من القوميات الإسلامية.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه