2016-02-05 

اللغز العراقي

فاروق يوسف


العرب - ألا يزال العراقيون يخشون مواجهة شبح التقسيم؟ لقد دفع سنة العراق (من يُسمون إعلاميا بالعرب السنة) ثمن رفضهم لفكرة الأقلمة التي نص عليها دستور دولتهم الجديدة التي تم اختراعها بعد عام 2003. كان ذلك الثمن باهظا.

 

احتلت مدنهم وهُدمت بيوتهم وطُردوا من وظائفهم وحُرموا من حقوقهم المدنية وشُرّد أكثر من مليونين منهم. منذ اليوم الأول للاحتلال وحتى اللحظة والحياة معطلة بكل سبلها ووسائلها في المدن التي تسكنها غالبية سنية. كان الإصرار على بقاء العراق موحدا وعربيا هو السبب.

 

لم يرق ذلك للزعامات الحزبية الشيعية والكردية على حد سواء. يعرف سنة العراق أن إقامة إقليمهم هي اللحظة التي ينتظرها الجميع لإزالة دولة اسمها العراق من الخارطة السياسية. وطنيا لم يكن في إمكانهم أن يتحملوا وزر عار تاريخي من ذلك النوع.

 

في لعبة الكلمات المتقاطعة بين سنة العراق وشيعته كان الأكراد مراقبين. لم يكن السبب في ذلك أنهم اختاروا أن يكونوا محايدين، بل لأنهم أدركوا أن عنفا تعود أسبابه إلى نزعات طائفية لن يؤدي إلا إلى تهشيم أطرافه. يومها سيخرجون منتصرين من غير أن يدخلوا حربا.

 

ولأنهم يعرفون أن دولة كردية لن تقوم إلا إذا اضطر سنة العراق إلى تجرع السم ليعلنوا عن قيام إقليمهم الذي هو بداية لتقسيم العراق، فقد عقدوا غير مرة تحالفات نفعية مع التحالف الشيعي الحاكم في بغداد. كان لديهم أمل في أن يمرروا أهدافهم من خلال طائفية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، غير أن المالكي المريض طائفيا لم يعجبه أن يتقاسم معه الأكراد غنائم نزعته السلطوية.

 

لم يكن أمام الأكراد وقد حرموا من فرصة تقاسم الغنائم مع الشيعة سوى أن يهددوا بالانفصال. الأمر الذي لم تتعامل معه الزعامات الحزبية الشيعية بقدر من الجدية لسببين؛ أولهما لأن إيران لا توافق على قيام دولة كردية، وثانيهما لأن الأكراد لن يغامروا بخسارة نسبتهم من ثروات العراق مقابل الاستقلال.

 

في ظل ذلك الصراع النفعي يبدو الطرف السني، وهو الفقير على مستوى قياداته، عاجزا عن فهم أصول اللعبة في ما يجري من حوله. أما وقد قُدر له أن يقع لقمة سائغة في فم تنظيم داعش الإرهابي فلم يعد لديه من القوة أن يقف مع اللاعبين إلا من خلال سلبيته. وهو موقف تاريخي غريب. الغريب فعلا أنه لا يزال في إمكان سنة العراق أن يقرروا مصير بلادهم.

 

من وجهة نظري فإن النكبات التي مروا بها ستجعلهم أكثر إصرارا على موقفهم. وهو موقف دفعوا ثمنه سلفا. شيء أسوأ من حصار الفلوجة التي هي مدينة سنية لا يمكن توقعه.

 

صحيح أن الزعامات الحزبية السنية هزيلة، غير أنها بسبب هزالها لا يمكن أن تتخذ قرارا مصيريا، يُعرض من خلاله العراق في المزاد. فسنة العراق الذين يعتزون بعروبتهم هم عراقيون أولا. لذلك فإن كل الضمانات العربية التي يقدمها زعماء الأحزاب السنية المتعلقة بدعم عربي للإقليم السني لن تجد آذانا صاغية لدى الأغلبية السنية.

 

يعرف سنة العراق أن القيادات الشيعية والكردية تتحرق شوقا إلى اليوم الذي يعلنون فيه عن قبولهم مضطرين بالتقسيم. سيكون ذلك مبررا للأكراد لإعلان دولتهم المستقلة، وللأحزاب الشيعية للانضمام إلى إيران التي ستجعل من شيعة العراق، باعتبارهم عربا، مجرد رعايا مسلوبي الإرادة مثلما هي حال إخوتهم في عربستان.

سنة العراق هم الطرف الأضعف في المعادلة غير أنهم يملكون المفتاح.

 

لن تكون هناك دولة كردية ما لم يوافق السنة على التقسيم، كما أن شيعة الحكم لن يهنأوا بالسلطة ما دام هناك سنة في العراق

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه