2016-02-06 

اقتصاد الدعاة

عبدالله بن بخيت

الرياض - كتبت قبل عدة أشهر قراءة حول ظاهرة الدعاة وتاريخهم. لخصتها ونشرتها على ثلاثة أجزاء في جريدة الرؤية الإماراتية، عالجت فيها سؤالاً كان يجب أن يثار: ما هي وظيفة الداعية وكيف ظهرت ولماذا تفاقمت؟ من سيقرأ تاريخ الإسلام منذ بداية الدعوة المحمدية المجيدة إلى مطلع عقد السبعينات من القرن العشرين الميلادية لن يعثر على رجل أو امرأة حمل لقب داعية.

 

غاب هذا السؤال الجوهري في خضم عدد الدعاة الذين امتلأت بهم فضاءات الإعلام والمساجد والمناسبات والسجون والفنادق الفاخرة. في أي ساحة تقترب منها ستجد أن عددهم أكثر من أصحاب الاختصاص أنفسهم. صاروا أكثر من الإعلاميين في الإعلام وأكثر من الأدباء في الأدب وأكثر من المدونين في الانترنت وكادوا يصبحون أكثر من الأطباء النفسيين لولا مزاحمة أشقائهم الرقاة لهم في هذا الميدان المدر للثروات.

 

إذا كان أصحاب الاختصاصات مازالوا ينافسونهم في ميادينهم لا شك أن الفضاء الاجتماعي دان لهم بالكامل وكل المؤشرات تؤكد أن عددهم تجاوز عدد النشطين في الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي. بعبارة أكثر وضوحاً لم يعد ينافسهم في الخوض في السياسة سوى وزارات الخارجية بحكم الاختصاص. هذا لا يعني أن الدعاة توزعوا ككتل. كل كتلة تذهب إلى ميدان تنافس فيه. تكاثرهم وتطورهم قاد إلى نشوء الداعية الشامل الذي يعالج نفسياً وينصح اجتماعياً ويحلل فلسفياً ويقود سياسياً ويفتي دينياً. تأمل في أنشطة عبدالمجيد الزنداني والقرضاوي وستعرف أكثر.

 

حضورهم وزخمهم وصوتهم الضاج أخرج من ذهن الناس السؤال الأساسي ما هي وظيفة الداعية الحقيقية وأصبحت كأنما هي وظيفة ضرورية كالوظائف الأخرى التي يحتاجها أي مجتمععرف التاريخ الإسلامي أعمالاً ارتبطت بالدين. العالم والفقيه والواعظ والإمام والمؤذن. عند متابعة حياة هؤلاء الرجال والنساء الذين قاموا بواجب هذه الوظائف الجليلة ستلاحظ غياب الربح المادي عنها. كانت الوظائف المرتبطة بالدين تطوعية كما تملي عقيدة الإسلام التي ترفض الكهنوت والارتزاق الديني. 

 

كان علماء المسلمين الدينيون يعملون في النهار في وظائف خاصة بسيطة يكسبون منها معاشهم ومعاش أسرهم وفي الأوقات الأخرى يعملون في العلم. كان الفقهاء الكبار كأحمد بن حنبل إذا سافر إلى أي بلاد يبحث عن وظيفة يسد بها احتياجاته لكي لا يضع عمله ودينه رهينه في يد الآخرين. لم توجد في الإسلام وظيفة دينية تحقق لصاحبها سلطة وشهرة وأرباحاً طائلة سوى وظيفة الداعية، لا ينافسه في المكاسب سوى شقيقه الراقي. ما الذي يمكن أن يحدث للمجتمع لو أن الدول الإسلامية حظرت هذه الوظيفة وأزالتها من حياة الناس.

 

ما هي النتائج الاقتصادية التي سوف تترتب على غيابهم. ما هو حجم الثروات المدورة في نشاطهم. TURN OVER. تذاكر الطائرات وحجوزات الفنادق الفخمة وأسعار الملابس الفاخرة والولائم الباذخة التي تولم عند حضورهم ومكافآت المحاضرات والبرامج التلفزيونية والنسب التي يتم تقاضيها من الديات الخ. هل تعتبر هذه الثروات ضمن الاقتصاد الرسمي بحيث تفرض عليها الضريبة عند إقرارها أم تبقى ضمن الاقتصاد الخفي. ولكن السؤال الأكبر كم إنساناً سوف يخسر مصدر رزقه عند اختفاء وظيفة الداعية.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه