الرياض - في الأسبوع المنصرم ثلاثة حوادث بحيثيات وأماكن مختلفة، الأول حدث في الرياض في أحد أقدم الأحياء وأكثرها اكتظاظاً بالمارة والسيارات، إذ أفضى شجار على أفضلية السير إلى عملية دهس راح ضحيتها أحد المتخاصمين، وتم إلقاء القبض على الفاعل بعدها بساعات.. أما الثاني فحدث في إحدى القرى جنوب المملكة حيث هاجم الجاني مقر مكتب التعليم بالداير حيث يعمل بسلاح رشاش وأردى خمسة قتلى.. أما الثالث فوقع في الرياض كذلك لشخص أطلق النار على والدته.. هذه بعض حوادث الاعتداء التي انتهت بجريمة، نوردها على سبيل المثال لا أكثر في سياق موضوعنا هنا.
يحدث وأن تُرتكب الجرائم في أي مجتمع وتختلف بالنوع وتتفاوت في النسبة والعدد، يدفعها للزيادة والنقصان عوامل عدة مرتبطة بمعطيات تكون ذات صلة بالوضع الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو حتى الثقافي للبلد، لكن اللافت في بعض الحوادث استسهال ارتكاب الخصومة والإقدام على الاعتداء بما يفضي في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح.
وبالنظر إلى المملكة -وحسب تقرير أصدرته وزارة الداخلية عام 1435ه، وأفصح المتحدث الرسمي اللواء منصور التركي قبل أربعة أشهر عن أبرز ملامحه- نجد أن جرائم القتل العمد، وجرائم إطلاق النار والتهديد ومحاولة القتل شهدت انخفاضاً، في حين أن جرائم الاعتداء على النفس والطعن والمضاربة سجلت ارتفاعاً، ما يدفعنا إلى ضرورة سبر أغوار وأسباب ارتفاع هذه الجرائم التي توحي بوجود علة إما مباشرة أو غير مباشرة.
وقد يكون للمحفزات العدوانية التي ترتبط في الغالب بعمر ونشوة الشباب الذين يمثلون قرابة 70% من المجتمع السعودي دور في ذلك.. تلك المحفزات قد يعود بعضها إلى زخم المواد المشاهدة في وسائل الإعلام، والتي تعكسها مظاهر القتل والتدمير في دول الجوار والتي أصبحت رؤيتها على الشاشات وبشكل يومي أمراً محبطاً ومقلقاً في آن، فالأجواء المتوترة قد تنعكس اضطراباً في التصرف، كما يمكن الأخذ بعامل الواقع الافتراضي الذي توفره الشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو، والتي تكشف الأحداث والجرائم التي وقعت عن قدرة هذه الشبكات في التوجيه والتحريض لارتكاب السلوك العنيف، وقد تم التأطير العلمي لهذه الظواهر تحت ما يسمى "تحليل الشبكات الاجتماعية" والتي تبحث الروابط الاجتماعية في الإعلام الاجتماعي وشبكات العالم الافتراضي، وهو أمر مثير يمكن معه الوصول إلى معطيات مهمة وتوقع ومعرفة سلوك أفراد المجتمع في إطار علاقاته..
إننا بالعودة إلى ارتفاع معدل جرائم الاعتداء يجدر بنا أخذ زمام المبادرة لمعالجة الأسباب التي دفعت نوعية ونسبة هذه الجرائم إلى الارتفاع، ومراقبة النشء من الطلبة المنخرطين في المدارس من خلال تفعيل دور الإرشاد الطلابي الذي يجب أن يمارس دوراً مهماً في رصد الظواهر والأبحاث واقتراح الحلول في إطار تشرف عليه وزارة التعليم وترفع نتائجه لوزارة الداخلية، ففي ذلك استباق وقوع المحظور ومنع تحول العنف واكتسابه صفة الظاهرة..