الرياض- استرحنا فترة من الزمن إلى فكرة أننا بريئون من لوثة التعصّب الذي يحمله -كما نردّد دوماً- (فقط) فئة من الشباب ضلّت طريقها فضيّعت المنهج وكانت النتيجة أن حوّلت تعصبها الفكري إلى سلوك عنيف. وليتنا اكتفينا بهذا ولكننا حين بدأنا في تشخيص مصادر العلّه وعلاجها اكتفينا في معظم الأحوال بتوزيع المهدئات الفكريّة ونحن نتبادل التهم ونقذف الإنترنت والإعلام والشرق والغرب بكل الشرور والآثام.
المنطق المجرّد يقول إن المشكلة الفكريّة لم ينتجها سوانا ونحن من سيتحمل آثارها. لا ذنب للإنترنت ووسائط الإعلام والتقنية ولا مشكلة مع الشرق والغرب، بل لقد كشفت لنا كل هذه الوسائط – مشكورة-ما نتعامى عنه أو نتناساه. شبكة المعلومات وثّقت لنا منتجات الواقع في مقاطع اليوتيوب فكشفت لنا واقع أبنائنا وهم يتعاملون مع المخالف (الند)، ومع العامل الضعيف، ومع الطريق والشجرة الخضراء، والمتنزه البري الجميل. وحين ظهرت خدمة "الكيك" وحمّى "ستاند اب كوميدي" و"السناب" وبقيّة "الكواشف الإلكترونيّة" أظهرت في قسم كبير منها حجم تفاهة "الفكر" ونفاق المجتمع حين صدّر تفاهاته إلى الشاشات ثم عاد ليستورد منها نجوماً موجهين للمجتمع عبر الملتقيات وشاشات التلفزيون. وحين تحاول تشخيص الظاهرة في حوار هادئ يصفعك متعصّبون سادرون برأي قامع قاطع يصمك "بالتزمّت" وأنّك لا تفهم ما يجري فهذه الأجيال تعبّر عن ذاتها.
كيف يمكنك محاورة من لا ينصت لحقيقة أن ثقافة "التعصّب" التي أنتجتها الشوارع الخلفيّة باتت اليوم سيدة المشهد الإلكتروني موثقة أبشع الصور السلبيّة عنا؟ وليت هذا يكفي ولكن السؤال الكبير يقول: من سيعالج أو سيحتمل الآثار الكارثية لتأطير شخصيّة الجيل وتكوين وعيه عبر الشاشات بين حدّي التعصّب: الانفلات والفوضى، والتزمت في الرفض والعدوانيّة؟
لم نسأل أنفسنا – ولا نريد أن نسأل-عمن وضع المحتوى العربي على الإنترنت ومن صنع نجومه، ومن يملك ويموّل الإعلام العربي ومن يتّهم من؟ وفي ظل "التيه" العربي وحيث لا مرجعيّة واضحة ترشّد محتوى هذه المنابر المفتوحة فإننا أيضاً محتاجون إلى الإقرار بأهميّة سؤال وتشخيص مفاعيل ثقافتنا الشعبيّة ذات التأثير الأعمق في شخصيّة أبنائنا وتكوين وعيهم وعلاقتهم بالناس والأشياء من حولهم. الواضح اليوم أن لم يعد هناك فرق واضح بين قيمة ثقافة "القيم" العليا وما ينتجه المجتمع في انهزامه ليبرر التحاسد والتباغض والتصارع حول مصالح الأنا وشيطنة "الآخر". وفي هذه الحاضنة الفكريّة المضطربة نشأ جيل الكتروني "منتفخ" الشهرة "ضامر" المبدأ يقول ما يريد عما يرغب بما يشتهي مدعوماً بهتافات جموع المتعصبين من حوله ومدعوماً بإرث "البطل" "الذيب" في ثقافتنا الشعبيّة الذي "يقدح من راسه" ولا يشاور أحداً.
لاحظنا ما يجري حين أتى "تويتر" سبورة الرأي الحرّ على حائط الزمن العربي البائس. شاهدنا على "تغريداته" جماهير الشيخ" فلان"، ومعجبي الفنانة "فلانة" ومشجعي النادي "زعطان" وهم يجتمعون-ظاهراً-باسم الحب لرموزهم ويفترقون على الكراهيّة والتعصّب والأحقاد لبعضهم البعض. إن التطرف الثقافي المجتمعي المخصّب للعنف والإرهاب لم يظهر لنا إلا وجهاً كالحاً واحداً من وجوه التعصّب العملي الذي لا نعلم مآلاته حينما يرتفع صوت القبلية أو يستصرخ التيار الفكري أنصاره، أو لحظة تحزّم "المذهب" بالطائفة، في منافسات الهويات الصغرى التي لا تفرز إلا المزيد من التعصّب والعصابيّين ... والله المستعان.
قال ومضى:كيف (أحاورك) وهناك من يحتلّ رأسك.