الرياض - التكنولوجيا طريقة لتنظيم الكون بحيث لا يحتاج الإنسان للتعامل معه»، يبدو أن هذه المقولة للأديب السويسري مارك فيرش -الذي غادر الحياة في العام 1991- نعيشها واقعاً حقيقياً في يومنا هذا، فالحديث عن الذكاء الاصطناعي وثورة الروبوت «الرجل الآلي» تبلغ حداً طاغياً في مستهل هذا العام، فغالبية المراكز التقنية والمؤتمرات المعنية بالتنمية والتطور العلمي تتحدث عن تأثير تلك التقنيات على مستقبل الاقتصاد والبشرية بشكل عام، ودور «الرجل الآلي» في مسار التنمية لكل بلد. وتضع ثورة التقدم التكنولوجي، أجندة الدول وخططها التنموية في مهب التحولات التقنية السريعة التي تجُب ما قبلها فتتركها أثراً بعد عين.
فحجم التحديات التي تبرزها تقارير المطلعين والمضطلعين بالتطورات، تنبئ عن خطورة في الموقف يجب التنبّه لها مبكراً، وتقديم رؤية استراتيجية لما يمكن أن تؤدي إليه تلك التقنيات من عبء ثقيل قد تعجز عن حمله حكومات الدول في العالم الأول والثالث على حد سواء، فالأتمتة والحكومات الإليكترونية ستكون من حكايات الماضي، إذ ستفاجئنا سيطرة الروبوت على مفاصل حياتنا بدءاً من الجيوش الآلية التي تتحمل وتتصرف دون مشاعر ولا أحاسيس حيث لا خوف ولا تردد، مروراً بغرف العمليات حيث الدقة التي ستكون عليها الجراحات، ما يعني وصول المضاعفات إلى الحدود الدنيا، وانتهاءً بالأمور الخدمية التي لا تتطلب جهداً كبيراً.
هذه التطورات ستخلّف شعوباً عاطلة عن العمل، فحسب بيتر ديامانديس الرئيس التنفيذي لمؤسسة «إكس برايز» فإن حوالى 40 إلى 50% من فرص العمل المتوفرة التي يعمل بها البشر اليوم سوف تُستبدل بالروبوتات قريباً.. فأرباب العمل وأصحاب المصانع يعتمدون في صناعاتهم اليوم على الأيادي العاملة الرخيصة، وهو أمر يلقي بظلاله بشكل مزعج على واضعي الخطط الاقتصادية الذين لا يرون بُداً من سن تشريعات لتقنين جلب العمالة الوافدة أو تقديم حوافز منعاً لهجرة المصانع حيث تلك العمالة، فماذا عساهم فاعلون أمام «الرجال الآليين» الذين يعملون دون كلل أو ملل وبلا رواتب ولا حوافر ولا حقوق.
هل تنبّأنا بحجم التحدي الذي تفرضه علينا تقنيات الذكاء الاصطناعي وتهديدها لاقتصاديات دولنا؟
لقد كانت التقنية مصدر احتفاء بالنسبة لنا وامتنان لقدرتها على تسهيل حياتنا وجعلها أكثر بساطة وانسيابية، لكنها اليوم تكشّر عن أنيابها؛ فقد تحيلنا إلى مجتمعات لا قيمة لمواهبها، وتبقى في خضم ذلك مهن محدودة في منأى عن كل تلك التجاذبات.. إنها الأعمال التي تعتمد على الإبداع الإنساني؛ فالأدب والكتابة والفن وكل ما يستوجب الإحساس والشعور لإنتاجه سيكون حصراً للإنسان ولا مجال لحوسبته، فلا مشاعر صناعية يمكن صياغتها في مصفوفة رقمية لتنتج خيالاً يسمح بالكتابة أو إبداع لوحة أو تأليف كتاب.. وقد نشهد عودة محمومة للإقبال على كليات الآداب والعلوم الإنسانية بعد أن كان السباق على أشدّه من أجل الالتحاق بكليات العلوم التطبيقية.