الاتحاد - كان خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ألقاه بمجلس النواب في الثالث عشر من فبراير 2016 تتويجاً لمسيرة شعبية ظافرة بدأت في 30 يونيو 2013، حين ازدحمت الميادين والشوارع بملايين المصريين من الطبقات والتوجهات كافة، منادية بإسقاط الحكم «الإخواني» الديكتاتوري وعزل الرئيس محمد مرسي، والذي كان يصدر قراراته بتوجيهات ملزمة من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين. ولم تتردد القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي في دعم هذه الثورة الشعبية. وبعد عزل «مرسي» أعلن «السيسي» في حضور ممثلي الشعب خريطة الطريق في 3 يوليو، والتي تمثلت في إصدار دستور جديد، وانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل مجلس نواب جديد عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وهكذا يمكن القول إن خطاب الرئيس في مجلس الشعب كان ذروة استكمال خريطة الطريق.
والواقع أننا إذا أردنا أن نستخلص المحاور الرئيسة التي قام على أساسها خطاب الرئيس لقلنا إنها تتمثل في موضوعين أساسيين، الأول هو نجاح الشعب في استرداد الدولة الوطنية، والتي كانت في طريقها إلى الذوبان في سياق خطة «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع» التي بدأت جماعة الإخوان المسلمين في تنفيذها فور تولي «محمد مرسي» منصب رئاسة الجمهورية. ويدل على ذلك التصريح الشهير لمرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور «بديع» الذي صرح به عقب نجاح «الإخوان» في الحصول على الأكثرية في مجلسي الشعب والشورى، حين قال: «يبدو أن حلم حسن البنا في استرداد الخلافة الإسلامية قد قارب على التحقق. ويقصد بذلك إلغاء الدولة الوطنية في مصر وتحويلها إلى مجرد ولاية من ولايات الخلافة التي ستكون القدس هي عاصمتها وليست القاهرة كما صرح بذلك «صفوت حجازي» أحد قادة الجماعة المتطرفة.
ويقرر الرئيس «السيسي» «بهذا الصدد.. كانت نتائج الانتخابات تعبيراً جلياً عن إرادة الشعب المصري العظيم واستكملنا –نحن المصريين- خريطة المستقبل التي توافقنا عليها جميعاً يوم قررنا استعادة الوطن ممن أرادوا اختطافه لحساب أهدافهم المنحرفة ومصالحهم الضيقة».
وأضاف «لقد استطاع شعبنا العظيم أن يستعيد حلمه للمستقبل في مواجهة دعاوى الردة ودعاة التخلف». وفي مجال تحديد الأهداف الكبرى قرر الرئيس «أننا ماضون قدماً في مشروع وطني لبناء الدولة الحديثة، ولن نسمح لأحد أن يعرقل مسيرة الانطلاق نحو البناء السياسي والتقدم الاقتصادي والنهوض الاجتماعي والثقافي والمعرفي والتكنولوجي»، والواقع أنه يكمن في هذه العبارات وعي دقيق بالمرحلة التي تمر بها الحضارة الإنسانية في الوقت الراهن، والتي تتميز بالتركيز على تحقيق التنمية المستدامة في سياق الانتقال من مجتمع المعلومات العالمي إلى مجتمع المعرفة، وعلى أساس أن تكون الأهداف العليا للتنمية هي تخفيض معدل عدم المساواة في المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإشباع الحاجات الأساسية للجماهير العريضة. والموضوع الثاني يكمن في تركيز خطاب الرئيس الأساسي على موضوع التنمية كما ظهر من استعراضه لما تم تخطيطه وتنفيذه من مشروعات قومية كبرى يؤكد ما أطلقنا عليه في سلسلة مقالات سابقة «عودة الدولة التنموية».
والدولة التنموية – بحسب التعريف في بحوث الاقتصاد السياسي- هي الدولة التي تخطط للتنمية من خلال أجهزتها المتخصصة، وتقوم بتنفيذ المشاريع العامة مع عدم استبعاد القطاع الخاص، وإن كان سيعمل تحت إشرافها ورقابتها منعاً لتولد الفساد الذي أدى في عصر «مبارك»، من خلال الزواج المحرم بين أهل السلطة ورجال الأعمال، إلى إثراء القلة وإفقار ملايين المصريين.
والدولة التنموية الجديدة التفتت إلى التنويع في مجال الاستثمار وعدم قصره على المشروعات القومية الكبرى على الرغم من ميزاتها في كونها ستتيح لآلاف المواطنين فرص عمل جيدة، ولذلك قرر الرئيس أن عام 2016 سيكون عاماً للشباب «لتبدأ الدولة في تنفيذ مشروع قومى لتمويل مشروعات الشباب الصغيرة ومتناهية الصغر بقيمة 200 مليار جنيه»، وذلك بالإضافة إلى خطة تطوير مراكز الشباب.
ويلفت النظر حقاً في خطاب الرئيس ما قرره أنه «لكي نبني مصر المستقبل علينا أن نعيد صياغة وبناء الشخصية المصرية على أساس علمي ومعرفي، ولذلك فإن قضية التعليم والمعرفة تمثل لنا أمناً قومياً، وتأتي على رأس أولويات الدولة المصرية».