العرب - أوضح الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية، في ثلاث مقابلات صحافية مع “آتلاتنتيك”، و”بلومبرغ”، وقناة “العربية”، مؤخرا، المبادئ الأساسية لرؤية السعودية، والتي تمثل استراتيجيات وأهداف المملكة التنموية الاقتصادية للـ15 سنة القادمة. وفي منتصف القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر انطلقت بوادر “الثورة الصناعية” في أوروبا، فأثّرت تأثيرا جذريا في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
رؤية السعودية 2030 تمثل ثورة تنموية شاملة لخّصها الأمير محمد بن سلمان بأسلوب سهل وصريح، لتصل الرسالة بهدوء وقوة وثقة للداخل والخارج، بكل وضوح وشفافية. أحلام الأمير محمد بن سلمان كبيرة، فالرؤية كانت ستطلق سواء بارتفاع سعر النفط أو انخفاضه، كما قال، لأن السعودية لا تحتاج إلى أسعار نفط مرتفعة، بل ستتعامل مع الظروف حتى وإن بلغ النفط أقل أسعاره.
هذا التصريح الواضح والمباشر يدحض أكاذيب وادعاءات من روجوا أن البرنامج السعودي جاء نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية. الثورة السعودية تعني أن تعترف الشخصية الثالثة في هرم القيادة العليا بأن الناس “تضايقت من غياب بيانات أرامكو”. ولذلك، فإن طرح جزء من أرامكو للاكتتاب، سيجعلها شفافة وتحت رقابة البنوك وجميع من يرغبون في الاطلاع عليها. الثورة التنموية السعودية تقوم على ثلاثة معطيات أساسية لا مجال للتنافس عليها، “عمقنا العربي والإسلامي، وقوتنا الاستثمارية، وموقعنا الجغرافي”.
مطالبات الأمير كثيرة ومحقة، فهو اعترف بوجود شح في الخدمات الثقافية بالسعودية، وضرورة إعادة هيكلة قطاعات وزارة المالية، وألا يذهب دعم الطاقة والمياه إلى الأثرياء. هذه شجاعة في الطرح تلامس الأمراء والوزراء والوجهاء، لم نشهدها من قبل.
كذلك أقر الأمير محمد بن سلمان بأن لا “لإدمان النفط”، ولا تقديس لأرامكو أو التعامل مع أرامكو وكأنها دستور المملكة العربية السعودية. الثورة التنموية السعودية هي طرح أرامكو في السوق، مما يعني الإعلان عن قوائمها وحساباتها، وأن تصبح تحت رقابة كل البنوك السعودية، وكل المحللين والمفكرين السعوديين، بل كل البنوك العالمية وكل مراكز الدراسات والتخطيط في العالم.
حتى الشفافية في القطاعات العسكرية كانت محل اهتمام وشرح الأمير، فاقترح إنشاء شركة قابضة للصناعات الحكومية تطرح في السوق، وأنها ستمكّن المواطن من الاطلاع على الصفقات العسكرية بشكل واضح. فاجأ الأمير الجميع بحديثه العلمي الواقعي عن برنامج الشراكة الاستراتيجية الدولية، وصندوق الاستثمارات العامة، وعن رأيه في ضرورة تطبيق الشفافية والحوكمة، والتركيز على ضرورة تنمية الموارد البشرية.
وللمرأة في الثورة السعودية نصيب، فزخات الرخاء قادمة لا محالة. يقول الأمير محمد بن سلمان في حديثه الصحافي “نؤمن بأن هناك حقوقا للنساء في دين الإسلام لم يحصل عليها بعد. النساء هن نصف هذا المجتمع، ونريده أن يكون نصفا منتجا”. بمعنى آخر، على المتشددين والمتشائمين العودة إلى المقاعد الخلفية. كلمة السر في إعلان رؤية السعودية هي “التغيير”. لن تكون المهمة سهلة، بل تحتاج للكفاح والصبر والمعرفة والهمّة والإصرار والتحدي والعزيمة.
خلاصة الأمر أن قطار الثورة التنموية السعودية قد انطلق بأكمل سرعته نحو الإصلاح الممنهج والإعلان عن خطة جديدة لما بعد النفط. كيف؟ أكاد أجزم أن الدولة ستعمل على إشراك الشباب رجالا ونساء، في عملية التنمية الشاملة. الأمير قال بالحرف الواحد: يجب أن نشيد بكل السعوديين، لدينا عقليات سعودية مبهرة ورائعة جدا ومشرفة.
هذا يعني أنه من الضرورة اليوم فسح المجال بصورة كبيرة أمام العقول والقيادات الشابة لتأخذ دفة القيادة. الفرص متاحة، يقول الأمير “جيل الشباب طاقة قوية، شجاعة، ثقافة عالية، احترافية جيدة وقوية جدا”. فهل هناك أكبر من هكذا دليل؟