2016-02-22 

قراءة هادئة في القرار السعودي تجاه لبنان

زهير الحارثي

الرياض - خلال ندوات الجنادرية الثقافية في الأسابيع الماضية والتي استضافت العديد من المثقفين العرب، دار حديث بيني وبين ثلة من المثقفين والبرلمانيين اللبنانيين حول العلاقة التاريخية بين المملكة ولبنان، وتشعب الحوار حول من يحاول تعكير هذه العلاقة وانصب الاتهام على حزب الله المنفذ لسياسات إيران.

 

تحدث البعض أيضا عن هبة المملكة للجيش اللبناني وأبدوا خشيتهم من استغلالها مشيرا البعض منهم إلى ان الجيش مخترق من قبل حزب الله وان هناك أكثر من قائد في المراتب العليا (ذكروهم بالاسم) معروفين بعلاقاتهم وتواصلهم وولائهم للحزب. الخطورة تكمن كما يعتقدون في سيطرة تلك القيادات على الأسلحة الجديدة وبالتالي تمريرها لحزب الله، وكأن السعودية تسلح حزب الله وليس الجيش اللبناني. هذه المعلومات ليست بالجديدة فهي معروفة ومتداولة في الوسط السياسي اللبناني. على أي حال ما هي سوى أيام بعد أحاديثنا مع الاصدقاء لتعلن الرياض ايقافها للهبة العسكريةطبعا ما قيل عن اختراق الجيش قد يكون صحيحا ولكن الأكثر صحة أن المسألة تتجاوز هذا التبسيط فالقرار السعودي سببه ارتهان القرار السياسي اللبناني لسلطة حزب ارهابي يستقوي بقوى إقليمية.

 

دولة عربية يتم السيطرة عليها بقوة السلاح وتُترك البلاد في فراغ دستوري بدليل ما يحدث إزاء الاستحقاق الرئاسي. هذا عبث وفوضى لا يمكن للرياض ان تقبل بهما، وتريد من الساسة اللبنانيين تحمل مسؤوليتهم في هذا الجانب. فئة محسوبة على لبنان تمعن في الإساءة للمملكة رغم ما تقدمه الرياض للبنانيين ومع ذلك حالة من الصمت لدى الطوائف الأخرى. ثمة ضرورة لإيقاف الحزب عند حده فتجاوزاته اثرت في الداخل اللبناني وستؤثر لا محالة في الوضع الاقتصادي والدخل المعيشي للمواطن اللبناني.

 

هناك حاجة لصوت عال وموحد يضم الحكومة والطوائف والشعب يواجه ممارسات الحزب بشكل علني. من الواضح أن المشهد السياسي اللبناني لا يستند إلى أرضية صلبة وإن بدا هكذا في أحيان عديدة نتيجة التسويات والتوافقات، إلا أن الثابت فيه هو تغير موازين القوى في الساحة اللبنانية والتي تؤثر في عملية الاصطفاف السياسي ناهيك عن تداخلها مع الأجندة الخارجية.

 

ما يجري اليوم في لبنان من حزب الله من فرض وصايته بالقوة، يكرس أمرا واقعا جديدا رغم أن الحل يكمن في الحوار والتوافق وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة لبنان على المصالح المذهبية والفئوية والحزبية، لكن أجندة القوى الإقليمية، وتحديداً إيران وأذرعها حزب الله والتيار الوطني هم من يعقدون المشهد ولا يريدون الحل.

 

عندما تقول السعودية إنها "عملت كل ما في وسعها للحيلولة دون وصول الأمور إلى ما وصلت إليه لتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني"، فهذا توصيف دقيق للإشكالية ما بين البلدين وبالتالي فلا محل للمزايدة.

 

السعودية دورها مبدئي وانقاذي فكانت على الدوام الى جانبه سياسيا وماديا ومعنويا، ودعمت جميع اللبنانيين من خلال إعمار لبنان وقبل ذلك تحقيق المصالحة السياسية عبر اتفاق الطائف لتنهي ويلات الحرب الاهلية، ورغم انها تعرضت إلى حملات شعواء من حين لآخر إلا انها عادة ما كانت تتجاوز هذه الإساءات بالتعقل والترفع، لأن هدفها هو ان ترى لبنان عروبيا مستقلا آمنا ذا سيادة. ومع ذلك استمرت الأساليب الاستفزازية ومحاولات تشويه الدور السعودي لتصل الى مصادرة القرار السياسي اللبناني برمته. وهذا يعني ان الكيل قد طفح ما جعل السعودية تقوم بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يحمي مصالح المملكة، واتخذت عددا من القرارات منها إيقاف المساعدات لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين.

 

القرار السعودي جاء امتدادا لسياسة المواجهة التي تنتهجها الرياض بقيادة الملك سلمان لفضح سياسات طهران العدوانية في التدخل بشؤون الدول العربية. عاقبت الرياضُ طهران في بيروت، وحزب حسن نصر الله يعلم قيمة ودور السعودية وأنها الدولة الوحيدة التي تقف ضد الطموحات الإيرانية التوسعية وبالتالي تجده يغتنم كل مناسبة لمهاجمتها وتشويه مواقفها وفق تصعيد مفتعل وتطاول شخصي رخيص يهدف من ورائه للتأثير على الدور السعودي داخل لبنان ومحاولة اضعافه وخلق فجوة في التواصل السعودي -اللبناني لحساب المحور السوري -الايراني.

 

ولكي تفهم أسباب التهجم على المملكة، عليك معرفة ما تقوم به حيث تلعب دائما دورا توافقيا وتنطلق من المرجعية الأممية الدولية وتقف الى خيارات الشعوب وتدعم الشرعية في اليمن، وتواجه الإرهاب في سورية ولبنان والعراق، وتنفتح على روسيا وتركيا، وترفض التدخل في شؤون الدول العربية وتدافع عن قضايا العرب وتمنع خطفها من الآخرين.

 

صفوة القول: السعودية تؤازر الشعب اللبناني ولم تعترض على سياسة النأي بالنفس الا ان للصبر حدودا، فسياسة حزب نصر الله واعوانه تعكس الانصياع والرضوخ والتبعية لسياسات ملالي إيران بدليل قتلهم الشعب السوري من اجل بقاء نظام الأسد، فاستقرار لبنان وعروبته وسيادته لا تعني لهم شيئا مقابل رضا وقبول مرشدهم في طهران.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه