تتزامن الهجمات الإرهابية الأخيرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية مع خبرات ، ومخاضات لم تُخَبَر بها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل ، فالتشظي في الروح الواحدة ظاهر، والانقسام الخطيرفي الرؤي جَلي ً،لكن ما أثار التوجس ،التصريحات الأخيرة للرئيس الامريكي القادم جو بايدن ، والتي أشار فيها إلي أن إدارته لديها العديد من الخيارات للرد علي الهجمات السيبرانية الروسية الأخيرة وفقا لتأكيد المؤسسات و الأجهزة الأمريكية المعنية .
تتسم الجريمة المعلوماتية العابرة للحدود بالعديد من السمات التي تميزها عن الجرائم العادية التي ترتكب في إقليم الدولة الواحدة ، فبالنظر لكونها جريمة متعدية الحدود ، تكتسب في الغالب صفة الجريمة الدولية ، فمجتمع التقنية الإلكترونية لا يعترف بالحدود الجغرافية ،ولا يتقيد بها ،فهو مجتمع منفتح عبر الزمان والمكان دون أن يخضع للجانب التقليدي في الحراسة الدولية " حراسة الحدود " ، وهنا اختلفت الجريمة مع جرائم أخري تقليدية مثل تجارة المخدرات بين الدول أو غسيل الاموال وما شابه ، بيد أن الفاعل في الجريمة المعلوماتية لا يغادر مكانه ومقعده من أمام شاشة الحاسوب علي خلاف تلك الجرائم التي تتطلب مثل هذا التحرك و النشاط .
لا مِرية أن التدليل علي الاخطارالمداهمة للجريمة السيبرانية الدولية لا يتسع سفر واحد لحصرها ، ولكن يكفي التدليل فضلا عن الهجمات السيبرانية الأخيرة التي طالت عديد الوزارات و المؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية ، أن نشير إلي أن البنوك تعد و الهدف الأكبر الذي تستهدفه هذه الجرائم كونها تعتمد علي أجهزة نقل التمويل إلكترونيا ، فبنوك نيويورك وحدها حتي العقد الماضي كانت تتناقل 200بليون دولار يوميا ، ولنا أن نتصور حجم الخسائرالتي ستكون عليها هذه البنوك فيما لو وصلت إليها أيدي مجرمي المعلوماتية في حالة تمكنهم من فك رموز التحويل الإلكتروني للأموال ، ناهيك عن مخاطر هذه الجرائم علي الامن القومي للدول .
يترتب علي الخصيصة المتقدمة أنه يصعب تحديد الدولة صاحبة الاختصاص القضائي في ملاحقة الجريمة ومرتكبيها ، خاصة في حالة انعدام التعاون القضائي الدولي بين دولة الإقليم التي ارتكبت فيها الجريمة ، والدولة التي تضررت من هذه الجرائم جراء ارتكاب الجريمة ، فالهجمات السيبرانية الاخيرة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الامريكية تلقي الضوء علي ماهية أُطُر التعاون القضائي الدولي بين البلدين خاصة في مجال مكافحة الإرهاب السيبراني .
تزداد صعوبة الجريمة بالنظر إلي ارتكابها من قبل مجرمين محترفين ، فضلا عن نقص الخبرة الفنية لدي عناصر إنفاذ القانون وجهات الادعاء العام و القضاء ، إذ أن هذا النوع من الجرائم يتطلب إعدادا و تدريبا لأفراد هذه الجهات في مجال التقنية الحديثة من حيث كيفية جمع الأدلة وإجراء التفتيش و الملاحقة في بيئة النظام المعلوماتي ، مما يجعل من الجهود المبذولة في هذا المجال غير متناسبة وحجم وخطورة هذا الجرائم .
جَلِي أن الجريمة السيبرانية ، جريمة هادئة " ناعمة " ، كونها لا تتطلب العنف أو السلاح أو الصدام مع رجال الامن ، كما أنها جريمة لا يتطلب لوقوعها سفك الدماء أو آثار اقتحام لسرقة الاموال ، إنما هي أرقام وبيانات تتغير أو تُمحي من السجلات المخزنة في ذاكرة الحاسوب ، فالجريمة ترتكب في الخفاء ، فضلا عن عدم وجود أي أثر كتابي لها ، لما يجري خلال تنفيذها من أفعال وأعمال إجرامية ، حيث يتم نقل المعلومات و البيانات عن طريق نبضات إلكترونية عبر الأثير ، حتي يمكن القول أن النشاط الإجرامي المكون لهذا الجريمة يملأ الفضاء المحيط بنا دون أن نشعر به لأنه ينساب عبر أجهزة الاتصال عن بعد .
ُصفوة القول ، يُعد التزام الدول بالتعاون فيما بينها لمكافحة هذا الشر المستطير " الجريمة السيبرانية الدولية " بكافة السبل ، أحد أدوات الاستراتيجية الدولية لمكافحة هذه الجرائم ، ويكفينا في ذات الصدد أن نشير إلي أن المادة الثانية من ميثاق منظمة الامم المتحدة قد أكدت علي تعاون أعضاء المنظمة في شتي المجالات .