العرب- في لقاءاته ومحاوراته مع الإعلام الغربي أصبح عادل الجبير ظاهرة كبيرة. إنه رجل مذهل حقا. لطالما تساءلت لماذا حاول الحرس الثوري اغتياله في واشنطن؟ كيف يمكن لدولة مثل إيران المخاطرة بسمعتها فقط للتخلص من السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير عام 2011. اليوم ونحن نرى هذا الوزير البليغ والعبقري الذي أذهل الكثيرين من المثقفين، نكتشف كم هي خبيثة تلك السياسة الإيرانية وكم حدسها صحيح في معرفة مقامات الرجال.
يجيب عادل الجبير على صحفي أجنبي يجعل من داعش والإرهاب عنوانا للإسلام بأن التفسيرات المنحرفة موجودة بكل الديانات، وأن التفسير الحرفي مخادع كما لو أن أحدا أخذ على عاتقه تطبيق “العين بالعين والسن بالسن” فقط لأنها وردت في الكتاب المقدس، هذا يتنافى مع القانون المعاصر والشعور المسيحي بالعدالة.
يقول الجبير إنه لو كان تنظيم داعش يمثل الإسلام لما حافظ الإسلام على ميراث الحضارة اليونانية والرومانية وأعاده إلى الغرب في عهد التنوير. محاكم التفتيش في أوروبا أحرقت الفلاسفة أحياء في العصور المظلمة مع كتبهم وكانوا يفرّون إلى الحضارة العربية الإسلامية. يقول لو كان داعش يمثل الإسلام لما احتفت الحضارة العربية الإسلامية بأرسطو وسقراط وحافظت على مصنّفاتهما، كما ربطت الحضارة الغربية بحضارة الشرق في الصين. هذه إجابة من فيلسوف ولا يمكن أن نتوقعها من وزير وسياسي.
نحن في العراق بحاجة إلى سياسي بمستوى عادل الجبير. لأننا نبحث عن الاعتدال والتوازن وليس التطرّف. في العراق اليوم هناك بعض الناس مصابة بعصاب ديني، يتحدثون في الدين بسبب وبغير سبب. هذا أيضا غير معقول. الدين في الشرق هوية ونمط حياة، لا شيء يمكن للأفراد فعله حيال شيء كهذا. الشرقي مرتبط بالعائلة جدا، والعائلة جوهر الدين.
عندما يتحرّر الإنسان من أولاده وبناته يتحرّر من الدين. وهذا غير متاح اليوم بشكل نهائي حتى في الغرب. مازال الكندي مثلا يحمل صور أطفاله وأحفاده في محفظته أو على جدران بيته ومكتبه في العمل. الشرقي مؤمن بأن الإنسان في جوهره ضعيف، يجوع ويخاف ويشيخ ويموت. وطبع فهمه للعالم من خلال الدين والارتباط العائلي. من الصعب جدا إلغاء التاريخ بمقال يكتبه فتى عابث.
عندنا مشكلة التطرّف وهذا ما يجب التركيز عليه. يقول عادل الجبير إن ربط داعش بالإسلام تحوّل إلى “نكهة العصر” الذي نعيش فيه بكل أسف. الدين في جوهره تسامح وعطف، فالإنسان خطّاء ويحتاج إلى مغفرة وراحة ضمير. هكذا فهم أجدادنا الدين.
ربما نحن لسنا بحاجة إلى ملحدين وإباحيين، فالمجتمع السياسي العراقي قد كشف عن ضعف حقيقي بالإيمان والشرف من خلال تفشّي العنف والفساد. إن أزمة القيم لا يمكن حلّها بهذا الإعلان السافر عن الزندقة، أعتقد مخلصا أن هذه الطريقة تعبّر عن مشكلة.
إن الإنسان يرتقي بعاطفته الإنسانية وبقدرته على الإحساس بالآخرين وبعبقرية الألم لأجل الضعفاء. وليس بهذه الكتابات التي تنمّ عن ضعف الشعور بالمسؤولية، والرغبة بالاستفزاز فقط. أشياء تشبه تمزيق بعض الأكراد للقرآن الكريم بعد معركة كوباني.
إن قتل الأبرياء يمكن أن يكون باسم الإلحاد أيضا. ستالين الشيوعي قتل ثلاثين مليون إنسان ضعيف، وجوّع مدنا ومقاطعات حتى الموت كما في هنغاريا. في مذبحة نانكينغ التي دامت ستة أسابيع تم اغتصاب ربع مليون صيني وصينية من كل الأعمار ثم قتلهم وتقطيع أجسادهم وسلخها بسبب “نوبة هيجان جنسي” انتابت الجنود اليابانيين بعد أن استسلم لهم الجيش الصيني عام 1937.
وعلى مدى القرن العشرين قتلت حكومات دول مختلفة 170 مليون شخص من مواطنيها، بينهم 62 مليون شخص قُتلوا في الاتحاد السوفيتي الشيوعي وحده بين عامي 1917 و1987. أميركا جعلت العراقيين بالحصار يأكلون بعضهم وقيمهم العريقة. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي روزفلت قد تبلّغ قبل سبعة شهور من استخدام السلاح النووي من الجنرال دوجلاس ماكارثر في مذكرة مازالت موجودة عن رغبة اليابان في الاستسلام بشكل كامل، إلا أنه فضّل تجريب السلاح النووي في أغسطس 1945 وقتل ربع مليون إنسان في كل من هيروشيما وناكازاكي.
إن ثيرة غير القبح، هناك الجمال مثلا. علينا التفكير بمسؤولية كما يفعل وزير الخارجية السعودي الذي يعمل على السلام الشامل “سلام الشجعان” بهذا الفهم العميق للتاريخ وتقلّباته، وهو مبهور بالآية الكريمة ” مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ” ويرددها في لقاءاته ومحاضراته.
نحن بحاجة إلى وزير خارجية مثل عادل الجبير، وليس وزير خارجية يقدم سيف “ذو الفقار” هدية إلى دونالد رامسفيلد وزير دفاع الدولة التي احتلت بلاده، ثم يرفض اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا لأنه -أي الوزير إبراهيم الجعفري – يحترم حركات المقاومة للاحتلال.