مساء أمس، وبرعاية ملكية سلمانية، افتتح الأمير خالد الفيصل، سوق عكاظ، في العرفاء من ظاهر الطائف. قل سوق عكاظ، فيتحدث التاريخ والشعر والذاكرة والمعلقات وقس بن ساعدة، وأيضًا تتكلم التجارة والصفق بالأسواق، ورغاء الجمال ويعار الشياه، وحمحمة الخيل. سوق عكاظ من أشهر أسواق العرب، بل هو سيدها منذ الجاهلية، وقد اختفى قرونًا من التاريخ، حتى بعثه من رماد التاريخ الأمير المثقف الشاعر الواعي خالد الفيصل، أمير منطقة مكة، ومستشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. بعثه بعد أن كان والده الملك فيصل يفكر بذلك من قبل، كما جاء في الصفحة الرسمية لسوق عكاظ، بعثه خالد بثوب جديد، ولكن بنفس المعاني والمغازي، هو ندوة للشعر، «تعاكظ» للفكر - من معاني عكاظ المواجهات - وسوق للبيع والشراء، وبلمسة عصرية، معرض للرسم والتصوير والنحت، ومنصة للمسرح العربي الفصيح. رائع احتضان عكاظ للمسرح الرفيع. أهمية مثل هذه التجمعات والمناشط، هي أنها توفر مساحة نقية للركض والعمل، ونافذة للجمال ومتنفسًا للحياة. تخيل معي، أين يعرض المبدعون إبداعهم، كيف يعرف الناس مواهب الموهوبين، وكيف يكون للمسرح والفن والشعر والنقاش الفكري، منصة يتجلى فيها، ويقول؟ في السعودية هناك نشاط فوار، وشعب شاب، ودولة قوية، وتاريخ معرق، وحاضر حي، وحيوية في الاتصالات والسفر، ولكن - بكل صراحة - هناك فقر في مثل مناسبات عكاظ، هناك فقر تغذية في الفنون وألوان الإبداع، ليس عن قلة موهبة في السعوديين، بل عن جفاف احتضان وسياج حماية. فوق هذا كله، فسوق كعكاظ، ومثله الجنادرية، هو «سوق» بمعنى الكلمة، فيه بيع وشراء وحركة، تفد له النسوة والحرفيون، لعرض منتجاتهم، ففي عكاظ هناك «جادة عكاظ» وهي سوق على جنباتها الحوانيت. عكاظ الحديث، في الموسم التاسع، وصل للتاريخ بالتاريخ، كما قال في كلمته وزير الإعلام والثقافة، عادل الطريفي. للعلامة الشامي، سعيد الأفغاني كتاب بعنوان «أسواق العرب في الجاهلية والإسلام». من أسواق العرب في الجاهلية التي ذكرها الكتاب، وأغلبها يقع الآن في السعودية: سوق هجر، وسوق عمان، وسوق صحار، وسوق دبي، وسوق الشحر، وسوق عدن أبين، وسوق صنعاء، وسوق عكاظ، وسوق مجنة، وسوق ذي المجاز، وسوق نطاة خيبر، وسوق حجر، وسوق بصرى، وسوق الحيرة. كان أشهر الأسواق في الإسلام هو سوق المربد في البصرة. هناك مدن كاملة نشأت على حس الأسواق، في جنوب السعودية يلفت الانتباه توزيع المدن والأسواق على أيام الأسبوع مثل: «سبت» العلاية، «أحد» رفيدة، «اثنين» ابن حموض، «ثلوث» المنظر، سوق «الأربعاء»، «خميس» مشيط، وسوق «الجمعة» في بلاد رفيدة. المغزى في عكاظ هو الأبهى، مع تغول الشر وكراهية الحياة اللذين يحيطان بعالمنا العربي. عكاظ عنوان سعودي جميل.