الرياض - الكتابة عن الفن بمختلف أشكاله ومستوياته وآفاقه، عادة ما تكون محفوفة بالمحاذير والمخاطر خاصة في المجتمعات التي لا تؤمن بقيمة ومكانة وتأثير الفن باعتباره قوة ناعمة كبرى تُسهم في تنمية ونهضة وازدهار أفرادها ومكوناتها من جهة، وتحمل صورة جذابة وشفافة تعكس الوجه الحقيقي الذي تطل به هذه المجتمعات على الأمم والشعوب القريبة والبعيدة من جهة أخرى.
على مدى خمسة أيام رائعة بحجم الفرح والسعادة والدهشة، استطاع مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في نسخته ال ١٤ تحت شعار "رؤية إعلامية واحدة" أن يعرض المشهد الحقيقي لواقع الفن والدراما والإعلام في الخليج العربي، بل والعالم العربي عبر احتضانه الأنيق للإنتاج الفني العربي المشارك في مسابقات المهرجان، حيث وصل عدد البرامج إلى ٣١٤ عملاً من ٣٠ جهة مشاركة في جميع فروع المهرجان، تم فرزها وتحكيمها واختيار الفائز منها وفق آليات وطرق غاية في الحيادية والشفافية والمهنية، وبلغ عدد الجوائز التي منحت للأعمال الفنية الفائزة ١١٥ جائزة في الدراما والبرامج الفنية المختلفة والأفلام القصيرة والإعلام الجديد، كما كرم المهرجان في دورته الحالية ٢٦ شخصية إعلامية وفنية وثقافية خليجية كان لها الدور البارز في إيصال رسالة الفن والإعلام الخليجي إلى الفضاءات العربية والعالمية.
ويُعتبر مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون أحد أهم المنصات الإعلامية والفنية والثقافية التي تحظى بتقدير واحترام صنّاع وجماهير الحدث الفني منذ أربعة عقود لأنه "الأوسكار الخليجي" الذي يتمتع بقدر عال من الحرفية والمهنية والشفافية اكتسبها خلال مسيرته الطويلة والحافلة بالتجارب والخبرات والمبادرات، فمنذ العام ١٩٨٠ حيث أقيمت الدورة الأولى بالكويت يُبرهن هذا المهرجان الرائع على تفرده واستمراريته كأحد أقدم وأهم التظاهرات الفنية في العالم العربي والتي تهدف إلى إشاعة الثقافة الفنية الجادة وغرس المفاهيم الإعلامية الإيجابية والعمل على خلق مناخات وبيئات وفضاءات فنية وإعلامية وثقافية تُسهم في رفع مستوى الوعي والقناعة بأهمية الفن كقيمة حضارية ملهمة ولغة إنسانية راقية ليُمارس دوره الحقيقي في غرس قيم التسامح والانفتاح والحوار ومحاربة كل مظاهر العنف والتشدد والانغلاق.
لقد أدرك القائمون على هذا المهرجان الفني الرائع خطورة المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي، بل والعالم بأسره فصممت فعاليات وبرامج المهرجان مواكبة ومنسجمة مع الرؤية الإعلامية التي ثُبتت بوصلتها باتجاه استثمار الجذب الفني والوهج الإعلامي لملامسة العديد من القضايا المهمة والملحة كظاهرة التعصب الرياضي في البرامج والمناسبات واللقاءات الرياضية، ودور الإعلام الخليجي بمختلف وسائله ووسائطه المتعددة في تعزيز القيم، إضافة إلى مناقشة الكثير من المحاور والقضايا الفنية الساخنة.
ولن أجد أجمل من هذه الخلاصة الرائعة التي نسجها بذكاء وحكمة عرّاب هذه التظاهرة الفنية الكبرى الدكتور عبدالله أبو راس مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج وأمين عام المهرجان حينما سألته عن الرسالة التي يود هذا المهرجان إيصالها، فكانت هذه الإجابة/الخلاصة التي تستحق أن تُحفظ: "المجتمعات التي تحتضن الفن ولا تخجل من ممارسته وتُكرم مبدعيه ورواده، هي مجتمعات متحضرة وراقية ومتسامحة، وتعيش في سلام وتصالح وسعادة".