العرب - يبدو أن التمثيل الرديء قد تجاوز الفنون إلى السياسة. وهذا ما تبين بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني التي يشير فيها إلى رغبته في عدم استمرار التوتر مع السعودية وإيجاد سبل لحل الخلافات بين البلدين عبر الحوار. ما هذه الروح الإيرانية التي ظهرت فجأة؟ هل يعقل أن تكون إيران جادة في دعوتها للصلح مع السعودية، أم أن الأمر لا يتجاوز فاصلا تمثيليا سمجا؟ هذه الأسئلة وسواها قد تكون مما دار في أذهان العديد من المتابعين للشأن الإيراني – السعودي.
الحقيقة أنها أسئلة منطقية إلى حد ما لو أنها كانت حول دولة أخرى غير إيران، لأن لفارس شأنا خاصا. ولذلك فالسؤال الذي يستحق الإجابة عليه هو توقيت تلك التصريحات الروحانية ومكانها ليس أكثر من ذلك. دعونا قبل ذلك نتذكر تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما في حديثه الصحافي مع آتلانتيك والتي أشار فيها إلى ضرورة أن تتوصل السعودية وإيران إلى حل مشترك، وأن تقوم السعودية بالتنازل لصالح إيران وتقاسم النفوذ معها في منطقة الشرق الأوسط، وأن تجد صيغة للسلام مع إيران.
هذه التصريحات الأميركية مثيرة للسخرية إلى حد كبير، وهي وإن كانت تعكس وجهة نظر الرئيس أوباما الشخصية حيال الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها توضح جهله بطبيعة النظام الإيراني وعدم اتفاق تلك التصريحات مع روح ذلك النظام الذي مدت له السعودية يدها طيلة سبعة وثلاثين عاما، وتسامحت معه بشكل كبير رغم كل ما قامت به طيلة تلك الفترة الزمنية الطويلة، ومع ذلك لم يحدث أي تطور إيجابي بأي شكل من الأشكال.
|
وحسب تصريح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، “المشكلة ليست نحن، الموقف السعودي كان واضحا منذ 35 عاما، أي منذ الثورة الخمينية عام 1979، وهو أننا لا نريد توترا مع إيران، بل نريد علاقات سلمية وصداقة، لكن الواقع هو أننا وُوجهنا بتدخلات في الشؤون الداخلية، واضطرابات في الحج، وهجوم على سفارتنا واغتيال دبلوماسيين، وخلايا إرهابية في بلدنا، وفي الدول المجاورة أيضا”. لن نبحث عن الماضي وأحداثه وسنكتفي بمسألة واحدة كانت السبب الرئيسي خلف قطع العلاقات مع النظام في إيران، وهي الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية فيها. المفترض على الحكومة الإيرانية أن تقوم بحماية السفارة والقنصلية بشكل جيد لا يسمح بما حدث ولا يسمح بأقل مما حدث بكثير. هذا لم يحدث.
كان من المفترض، أيضا، أن تقوم إيران بالقبض على من تسببوا في تلك الحشود ومحاكمتهم فورا وقبل قطع العلاقات معها. وهذا لم يحدث. ثم وبعد أن حدث ذلك وتم إلقاء القبض على مجموعة معينة ومحاكمة أفرادها تم إطلاق سراحهم جميعا قبل أن تكتمل محاكمتهم وقبل صدور أي حكم عليهم، وكأن شيئا لم يحدث. من وجهة النظر الإيرانية، إيران قامت بواجبها بإلقاء القبض عليهم ثم إطلاقهم دون عقاب. من وجهة النظر العامة، إيران لم تفعل شيئا.
تلك الصورة هي صورة علاقات إيران مع الدولة الأهم في المنطقة، فإن كانت بذلك السوء فهي مؤشر جيد على طبيعة الدولة وعملها الثوري والفوضوي في آن معا. إيران لا تستطيع العمل دون خداع ولا يمكن لها أن تستمر في التعامل السهل القانوني الذي يمكن أن يعكس صورة إيجابية عنها.
إذن هل يمكن اعتبار تصريحات روحاني ودعوته للتقارب مع السعودية نوعا من الخداع؟ نعم يبدو ذلك واضحا من حيث اختياره لمكان تلك التصريحات وتوقيتها. أما المكان فهو باكستان، تلك الدولة الداعمة للسعودية والتي يتعاطف فيها ليس فقط الشعب الباكستاني بل وحتى معظم الأحزاب السياسية مع المواقف السعودية في مختلف المحافل الدولية. وعندما تأتي الكلمة من باكستان فهي رسالة توجهها إيران لمؤيدي السعودية تريد القول فيها إنها حمامة سلام في المنطقة، وأنه لا مانع لديها من التصالح مع السعودية رغم أنها تعلم أن السعودية ليست في وضع يسمح لها بقبول التصريحات الإيرانية التي لا تتبعها أفعال تؤيد محتواها.
تلك التصريحات تهدف أيضا إلى منح أوباما فرصة الضغط على دول الخليج للتوجه نحو إيران ولقبول الدعوة الإيرانية للصلح. حديث أوباما لآتلانتيك، ثم لقاؤه المرتقب مع زعماء الدول الخليجية، يعطي تصريحات روحاني أهمية خاصة حيث يمكن لأوباما أن يستغله ليبين حسن نية إيران وأنها تسير وفق رؤيته الخاصة لها، وأن على دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً أن تستجيب للدعوة الإيرانية لتحسين العلاقات وأن تعمل على هذا الأساس.
الضغط الأميركي بهذا الشكل سيكون مؤثرا لو أن الدول الخليجية لا تعرف إيران جيدا، ولو أنها لم تختبر النوايا الإيرانية على مدى سنوات طويلة أثبتت فيها إيران أنها لا تتعامل بمنطق الدولة، بل بمنطق التنظيم الثوري. هذا المنطق الثوري هو ما تحتاج إيران إلى تغييره وهي تتعامل مع السعودية، وإذا كان أوباما لم يشعر به فهذا لأن زاوية قراءته للأحداث التي تكون إيران طرفا فيها هي زاوية تمنحه قراءة مبتورة وغير مكتملة وتعتمد على خلفية خاصة بالرئيس لا بالمكتب البيضاوي.
أوباما، ومنذ توليه السلطة، وهو يسعى إلى دخول التاريخ بصناعة أحداث تتعارض أساسا مع التوجه الأميركي العام. وحينما يكون الحديث عن إيران فالاتفاق النووي أكبر دليل على ذلك، رغم أنه لم يخرج عن إرادة البيت الأبيض إلا في ما يتعلق بصورة الرئيس الأميركي التي لم يأبه لها أوباما. وفي هذا الوقت الذي يمثل الأسابيع الأخيرة له في البيت الأبيض، هو في حاجة إلى دخول التاريخ من أبواب أخرى، ولذلك سيسعى جاهدا إلى استغلال تصريحات روحاني في لقائه بقادة الخليج العربي قريبا.
السعودية ودول الخليج في حاجة إلى الرد العملي على تلك التصريحات، ليس بالترحيب بها فقط، بل والعمل على وضع عدة نقاط واضحة حول العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق التدخل الإيراني، والطلب من إيران إثبات حسن نواياها بالعمل على تنفيذها فوراً دون مماطلة لكي تتمكن السعودية ودول الخليج من إعادة العلاقات معها.
هذا ما يجب أن يستلمه الرئيس الأميركي حال ممارسته لأي ضغط بخصوص تلك التصريحات، كما ينبغي أن تكون لدى باكستان فكرة واضحة عنها كي لا يصبح لكلمة روحاني أي تأثير سلبي مستقبلا، إضافة إلى ضرورة أن تكون تلك الطلبات على طاولة أي مفاوضات يمكن أن تُعقد بين دول الخليج والنظام الفارسي في إيران في زمن التمثيل الرديء.