الحياة - الصحافة الورقية تعاني في كل بلد، وحيث أقيم في لندن أرقام مبيع الصحف تهبط كل شهر عن الشهر نفسه من السنة السابقة. وكانت جريدة «الاندبندنت» أوقفت عددها الورقي في 26/3، وأعلنت «السفير» اللبنانية أنها ستتوقف في نهاية آذار (مارس) ثم أعلنت أنها ستستمر. كنت طلبت من زميل في مكتب «الحياة» في بيروت أن يحتفظ لي بآخر سبعة أعداد من «السفير» ويرسلها إليّ في لندن، وهو فعل، وسرني بعد ذلك أن «السفير» ستستمر، فمؤسسها الأستاذ طلال سلمان صديق مع أنني لا أتفق معه على شيء في السياسة، ويسعدني أن تستمر جريدته ليستمر الاختلاف السياسي... والصداقة.
كنت عدت إلى لندن بعد رويترز و»الديلي ستار» و»عرب نيوز» و»الشرق الأوسط» والدراسة في جامعة جورجتاون، وصدرت «الاندبندنت» فبقيت أقرأها 30 سنة حتى توقفت. العدد الأخير في 26/3 فاجأني فقد كان مانشيت الصفحة الأولى فيه يقول: نكشف علاقة بريطانية في مؤامرة لقتل ملك المملكة العربية السعودية... المقصود هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وكان ولي العهد أيام المؤامرة. والعلاقة البريطانية تعود إلى محمد المسعري الذي تصفه الجريدة بأنه منشق سعودي يقيم في لندن، في حين صفته عندي أنني لا أحترمه أبداً.
أعرف عن تلك المؤامرة التي طبخها بليل معمر القذافي أكثر كثيراً مما تعرف «الاندبندنت»، وقد كتبت بعضاً من معلوماتي في هذه الزاوية، وأعود إليها وأزيد عليها اليوم. طلب صديق لي موجود الآن في الخليج أن أراه وحدي إلى غداء في لندن، وهو خبرني أنه كان يحاول الحصول على عقود لمشتقات النفط من القذافي، وزاره في خيمته قرب طرابلس بطلب من «الأخ العقيد» الذي فاجأه بالقول: الآن خلينا نبحث كيف نقتل الأمير عبدالله. الصديق قال لي إن القتل، أو مجرد التفكير به، ليس مهنته، وحاولت أن أطمئنه وقلت إن القذافي غاضب لأن ولي العهد السعودي في حينه أهانه على قلة أدبه وأسكته خلال القمة العربية في شرم الشيخ.
بعد شهرين عاد الصديق إلى لندن، وإلى غداء آخر وحدنا، وهو قال لي: يا أخي قلت لي إن القذافي غاضب، وكلامه لا يعني شيئاً. هو استدعاني مرة أخرى وطلب مني أن أعد دراسة له عن ردود الفعل الأوروبية لقتل الأمير عبدالله. شعرت بأن الموضوع أهم مما قدّرت في البداية، وذهبت إلى الرياض وقابلت ولي العهد وطلبت منه ألا يضحك عليّ إذا كان كلامي سخيفاً، ثم حكيت له ما سمعت. لاحظت أن الأمير عبدالله بدا قلقاً أو غاضباً وأنا أتحدث وهو شكرني، وقال إن الموضوع مهم. علمت بعد ذلك أن السلطات السعودية اعتقلت ضابطاً ليبياً جاء إلى الرياض مع عدد من مساعديه ومعه مبلغ كبير من المال، وأخذ يفتش عمـَّنْ يقتل الأمير عبدالله. الضابط هذا ورجاله اعتُقِلوا، وأفرِجَ عنهم عندما أعادت السعودية وليبيا العلاقات الديبلوماسية.
القذافي كان إرهابياً، أو عصابة إرهابية من رجل واحد، وهو أمر الأخ موسى كوسة بقتلي لأنني قلت له على التلفزيون إن «الجماهيرية» خطأ في اللغة، فالقاعدة النحوية تجعل النسبة على المفرد وهو جاء بنسبة من جمع الجمع أو صيغة منتهى الجموع. وشكرت الأخ موسى كوسة والأخ عبدالرحمن شلقم على موقفهما مني بعد الثورة وأذكر من حديث معهما أن الأخ موسى قال لي إن القذافي كان يأمر كل يوم بقتل هذا أو ذاك ولا ينفذ أمره. ولو أنه حكى اليوم عن أوامر القذافي بالقتل لما صدقه أحد. القذافي دفع ثمن إرهابه، والملك الصديق عبدالله بن عبدالعزيز في رحاب ربه، رحمه الله ورحمنا.