الرياض - العام الفائت بلغ نمو الهند (7.5%) وبهذا تكون قد تخطت نمو الصين الذي بلغ (6.9)، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، وتعطينا هذه الأرقام دلالة واضحة على حالة الصعود التي ينوي ناريندرا مودي تحقيقها على المستوى الوطني بعد أن حقق قفزة تنموية على مستوى الولاية التي كان يرأس مجلسها الوزاري وهي "غوجارات" حيث يتواجد الرخاء المالي والتجاري.
وتخبرنا لغة الأرقام أيضاً أن الهند تتجه للإسهام أكثر من أي بلد آخر في ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة، فحسب تقرير للوكالة الدولية الذي صدر في نوفمبر الماضي ويشير إلى أن معدل اعتماد الهند على النفط المستورد سيزيد من 80 إلى 90% بحلول 2040 وإن البلاد ستقود نمو الطلب. وبالتالي من شأن تلبية الطلب الهائل على النفط من قبل الهند أن يسهم في انعكاس ذلك على الاقتصاد السعودي بشكل كبير.
وإذا ما نظرنا من زاوية تحوّل المملكة من دولة يعتمد اقتصادها على النفط إلى الاعتماد على الاستثمارات والتقنية، فإننا جديرون بالقول إن نمو الهند الاقتصادي الذي نراه الآن هو نتاج اقتصادٍ مبني على المعرفة التي أحد عناصرها التكنولوجيا، التي يقول عنها الباحث الهندي الدكتور بيساونث غوتش في كتابه البيئة الاقتصادية للأعمال إنها – أي التكنولوجيا - معرفة الوسيلة، والعلم معرفة العلة، والعلم ينتج المعرفة والتكنولوجيا تساعد على إنتاج الثروة.
تتباهى الهند بوجود عدة مراكز عالمية لتعليم العلوم، لا سيما المعاهد الهندية للتكنولوجيا التي تحظى بتقدير كبير، كما أن مؤسسات الأعمال التجارية بالدولة تستثمر المزيد في البحث والتطوير، مما يبشر بالخير للابتكار في المستقبل على حد كاتب افتتاحية مجلة "نيتشر" العلمية الرصينة.
هذه المعطيات إذاً تجعلنا بالضرورة نعمل على الاستفادة من تجربة الهند في الإثراء التقني الذي بلغ حداً جعلها المصدر الأول لمبرمجي وادي السيلكون في كاليفورنيا، ودولة يتواجد فيها أكبر فرع لشركة "مايكروسوفت" خارج أميركا، بأن تكون أحد شركائنا في هذا المجال عبر شد وثاق الرباط بين المؤسسات التقنية والجامعات في المملكة ونظيراتها الهندية لجلب التقنية واستثمارها في المملكة، ففي ذلك مستقبل مبهر لاقتصادنا.
إن لعلاقة الرياض بنيودلهي وجهاً سياسياً جديراً بالاهتمام، ولأن الاقتصاد قد يقود للتفاهم السياسي، فإن الهند تقف في لحظة يتجاذبها فيه الشرق والغرب، فأميركا والغربيون حريصون على إبعادها بعيداً عن أحضان أنصارها القدامى في المعسكر الشرقي حيث الصين وروسيا، وهنا يجدر بنا ألا نذهب إلا فيما يفيد مصالحنا، ولدى المملكة القدرة على ضبط توازن علاقاتها دون أن تؤول تحالفاتها مع أي من المعسكرين إلى خسارة هذا الشريك المهم والاستراتيجي، يدعمنا في ذلك توجه الهند نفسها التي استفادت من دروس الماضي وتعرف المكانة التي تحظى بها والقدرة والدور الذي يمكن أن تلعبه على مشارف منطقة تراها القوى الكبرى منطقة مصالح استراتيجية بالنسبة لها، أيضاً ترى نيودلهي أن للرياض ثقلاً في ميزان علاقاتها مع الدول الإسلامية حيث يعتبر المسلمون الهنود الأكثر عدداً بعد اندونيسيا، كما أن المملكة وبفضل علاقاتها القوية مع الدول الإسلامية الآسيوية قادرة على دعم الهند للانخراط أكبر في سياسات القارة لاسيما لدى حكومات الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى التي تنظر لها نيودلهي بأهمية بالغة، هذا الدور لا يمكن لأي دولة في آسيا القيام به سوى المملكة.