الحياة - ليس غريباً في ليبيا، بلد المفارقات، أن تتشكل «حكومة» بتوافق بين الأمم المتحدة ومجموعة من السياسيين الجدد، وتحصل على تأييد من حكومات العالم وجهات وتيارات محلية في البلاد، من دون أن تتمكن من نيل ثقة المرجع الذي يتوجب عليها نيل ثقته بموجب اتفاق الصخيرات الذي انبثقت منه، وهذا المرجع هو البرلمان الليبي المعترف به دولياً في طبرق، ناهيك عن البرلمان الموازي في طرابلس الذي يتعين أن يضطلع بدوره بما أوكل إليه في هذا المجال نتيجة حوار الصخيرات.
وبغض النظر عن التفاصيل، ثمة ثلاث متطلبات أساسية لقيام الحكومة بموجب اتفاق الصخيرات، أولها أن يتم تعديل الإعلان الدستوري الصادر بعد إطاحة نظام القذافي، لتشريع وثيقة الاتفاق، على أن تنال الحكومة المنبثقة منه الثقة، طبعاً بعد تشكيلها... فالحكومة العتيدة غير مشكلة بعد، وإن حضرت مكوناتها من دون أن تخضع لعملية التوليف الضرورية لتحويلها حكومة.
والشخصيات التي وصلت إلى القاعدة البحرية في طرابلس الأربعاء الماضي، هي مجموعة تشكل «المجلس الرئاسي للحكومة» العتيدة، حتى أن هذه المجموعة ناقصة أعضاء أعلنوا انسحابهم منها واعتراضهم على مجريات الأمور، وهو ما يفترض أن يستدعي مبدئياً انفراط عقد المجلس المذكور القائم في جوهره على فرضية «الوفاق». وبدل أن يقتضي ما تقدم، النظر في أسباب الخلل الذي يعتري مسار الصخيرات بكامله، ثمة محاولات للقفز فوق الاتفاق واستحقاقاته، بانتقاد المطالبات المشروعة باستيفاء الحكومة شروطها لجهة تعديل الإعلان الدستوري ونيل ثقة البرلمان، وكأنه بات من المحظورات الحديث عن مكامن الخلل في هذا المسار الذي يتجه إلى الاصطدام بعقبة كبيرة في شرق البلاد حيث يرفض الرأي العام حكومة غير حائزة الثقة ويهدد بالحكم الذاتي، بديلاً... حتى أن بعض القوى في شرق البلاد تجد نفسها غير معنية بتاتاً بحكومة الصخيرات التي تعتبرها «حكومة جديدة لطرابلس» فحسب.
تضاف إلى ذلك، هواجس أخرى تتعلق بالترتيبات الأمنية التي تواكب وجود الحكومة التوافقية وهي ترتيبات تعتمد في الغرب الليبي على دعم ميليشيات «الإخوان» والمتشددين الإسلاميين كونهم قوة مهيمنة هناك وشركاء أساسيين في اتفاق الصخيرات، فيما تفتقد الترتيبات إلى شفافية في شرق البلاد، إذ تغفل مبدئياً الدور المفترض لقيادة الجيش، إلا إذا كان ثمة تفاهم «تحت الطاولة» مع الفريق خليفة حفتر، ولا يبدو الأمر كذلك إلى الآن.
غير أن صيغة الصخيرات «الضبابية» مغرية إلى حد ما بالنسبة إلى الجيش، إذ تبقي له الباب مفتوحاً أمام فرص توسيع سيطرته في الغرب خصوصاً في طرابلس، إذ نجح في دعم مجموعات موالية له ومناهضة للإسلاميين، قد تسعى إلى تجربة حظها في السيطرة على العاصمة الليبية في تكرار لسيناريو بنغازي الذي لم يحقق بعد نجاحاً كاملاً يؤدي إلى اعتماده نموذجاً.
إلا أن المتابع لمسار الأمور منذ وصول مكونات حكومة «الوفاق» إلى طرابلس، يجد عدم اكتراث بالتعقيدات المذكورة، في مقابل تأييد منقطع النظير لهم من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة الراعي الأساسي لعملية الصخيرات، إضافة إلى دعم من فاعليات داخلية من شأنها أن تسهل حياة الليبيين أو أن تضيّق الخناق عليهم في معيشتهم، مثل القوة التي كانت تمنع تصدير النفط، ومرجعيات مالية واقتصادية كانت تتحكم بحركة السيولة والاعتمادات الضرورية لتوفير السلع الأساسية... قفز على اتفاق الصخيرات أو قفز على ثورة فبراير ككل، الأمر لم يعد مهماً بالنسبة إلى بعض الليبيين الذين لم يعودوا يتطلعون سوى إلى تأمين أساسيات العيش وتفادي الجوع والتشرد والحروب.