العرب - اختتمت قمة الأمن النووي أو قمة واشنطن، وعيون زعماء وقادة تجاوز عددهم الخمسين تحدق في الاتفاق النووي المبرم مع إيران في يوليو من العام الماضي، وأيضاً في شبه الجزيرة الكورية حيث يقبع الشقي الشمالي الذي يحب أفلام الكاراتيه وتشنج الأعصاب والحركات النووية على حلبة سببت الصداع لأميركا وللعالم ولجارتها الجنوبية. ما قاله باراك أوباما عن “حسن الحظ” في عدم قدرة الإرهاب، ويقصد داعش تحديداً من الوصول إلى السلاح النووي أو بعض أجزائه المتمثلة بدمج مواد مشعة بمواد انشطارية، يؤكد فشل وعجز وتراخي المنظومة الدولية وأذرعها العلمية والأمنية في فرض واقع يستحيل معه الشك في خرق الاحترازات الفاعلة لمنع أي تسلل أو حتى خطأ بنسب حسابية صغيرة.
من تجارب حضارة الانشطار النووي، أن الاستخدام الوحيد جرى بقرار حكومي في الضربة النووية على اليابان، وعلى الرغم من بشاعتها الماثلة في ضمير الإنسانية لما تسببته من قلق ومخاوف دائمة من احتمال تكرار المأساة التي أدت إلى استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية، وبين مبرر إيقاف الحرب وفرض الأمر الواقع باستخدام السلاح النووي الذي اختصر الموت المفتوح للبشرية بفناء مدينتي هيروشيما وناكازاكي بضربتين حاسمتين، دُفع العالم بأسره إلى شبه سلام في كوكب الأرض وعلى مدى سبعين عاماً. في هذه الأعوام السبعين خاضت الدول الحروب على الجبهات وحروب أهلية متعددة وحرب باردة، لكنها استوعبت مدى خطورة السلاح النووي الذي ظل في حيز سباق توازن القوى والتهديد غير المعلن إلى الاستخدامات غير العسكرية المشبوه بها أحياناً لطبيعة النظم الحاكمة وانخراطها في الاضطرابات الإقليمية، أو حماستها القومية لبناء كيانات نووية تحتمي تحتها في تمرير سياسات معينة تكون عادة مثار جدل دولي، وتنال قسطاً من العداء أو المساومة وتجارب العالم الثالث حاضرة في الأذهان.
المخاطر المنطقية إذن، قائمة من الحكومات ومن سبل ووسائل حماية تلك المواد النووية وحفظها وتأمين مستلزماتها الفنية والبيئية والأمنية. ومنذ معاهدة “ستارت” المتعددة وتخفيض حجم السلام النووي في ثمانينات القرن الماضي، فشل العالم في التخلص من مئات الأطنان النووية والمقصود بها اليورانيوم العالي التخصيب ووقود البلوتونيوم، ولتبسيط تأثيرها وصفها أوباما بحجم التفاحة التي قد تغير شكل العالم. للتفاحة موروث من المعاني في الثقافات والأساطير ونشوء الأرض، دلالاتها تنسجم مع المخاطر الهائلة للسلاح النووي ومفاتيحه ورموز حقائبه، حيث يحتفظ بها بعض قادة الكوكب الذين قد يقررون في يوم ما خروج صدفة الحياة على كوكبنا من الكون.
كأننا ننام على وسادة نووية خالية من الاستقرار، خاصة بعد ثلاثاء بروكسل، حيث عُثر على مجموعة صور التقطها منفذو الهجوم الارهابي لمنشآت نووية ومقتل أحد الحراس الأمنيين وسرقة هويته الإلكترونية التعريفية. تصاعد مقاييس الخوف يأتي من الباعة الجوالين للسلاح النووي وهم تجار مافيات دولية ترتبط بعقول علمية متخصصة في دول يتنازع قادتها على الخلاص من بعضهم، ويتعكزون على المشاكل الدولية وأطراف الإرهاب في النيل من خصومهم، أو الاستفادة من مواردها المالية في تدعيم الاقتصاديات المتراجعة، وجغرافيا تلك الدول على تماس مع المداخلات المخابراتية والاستباحات العسكرية.
الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 + 1 يعتبره الرئيس الأميركي أحد إنجازات فترة حكمه، وسيكتشف المجتمع الدولي مخاطر هذا الاتفاق في إبعاد الشبهات عن المشروع الإيراني الذي من الممكن أن يتشظى منه الإرهاب بعد القناعات الراسخة لانفلات نظام ولي الفقيه في نزعاته العدوانية، وضلوعه في خلق المسخ الطائفي، وصناعة مضادات حيوية له تتوافق مع سياسات الدول الكبرى المعنية بصراع الشرق الأوسط بعد الدخول المباشر لتفتيت العالم العربي بعد صدمة 11 سبتمبر وما تلاها، ابتداء من احتلال العراق وتفشي، أو إفشاء، وباء القاعدة ثم داعش في المنطقة.
تصريح خامنئي وسخريته وتهكمه ونقده للمهرولين نحو المفاوضات والمباحثات السياسية ونعتهم بالجبناء لأنهم لا يسلكون طريق المؤمنين الذين يعدون الصواريخ لأعدائهم، وعلى الرغم من الاستخدام المزدوج محلياً وإقليميا لهذا التصريح، لكنه يظل مع سياسته في مأمن من اتهامه بدعم الإرهاب وكل أوجه الدمار التي لحقت بأمتنا العربية في تلاقي مصالح غريب بين قوى تدعي العداء ظاهريا، لكنها ساهمت في إبادة وتهجير شعوب أكثر من دولة، وتلاعبت باستقرار العالم دون أن تنال عقابها لاعتماد سياستها على جذور النفاق وطلاسم أكاذيب مدجنة بالشرعية الإلهية التي يتحصن بها وليهم الفقيه. هل بالإمكان حدوث أي شكل من تفاصيل الضربات النووية على أيدي قوى مجموعات إرهابية؟ الجواب نعم، ويمكن حملها بحقائب صغيرة كطلاب المدارس، تنفيذها لا يتعدى إرادة الانتحاري الذي يحملها، كما لو كانت حزاماً ناسفاً، وما أكثر الذين ينتحرون بإرادتهم لأسباب كراهية الحياة أو الانتقام.
المخاطر الحقيقية التي يتجاهلها أوباما هي المراوغة الإيرانية في موضوع السلاح النووي وخبايا مشروعها واتفاقها وشعورها بالانتصار رغم نزع حلمها النووي، وعدم تعرضها لأي عمل إرهابي من عدوها المفترض طائفياً، والذي يصرح ولاته بعدائهم الصارخ لكل ما يمت بصلة إلى المشروع المذهبي المقابل الذي تقوده إيران فعلياً، ولأجله حملت كل الشرور وتداعيات الإرهاب إلى بلادنا وأمتنا والبشرية. البروفات الكيميائية وضربات غاز السارين والخردل والكلور من النظام السوري أو داعش، إنما هي مقدمات وجس نبض للمجتمع الدولي، تمت تجربتها في بقع جغرافية لا يهتم بشعوبها قادة أميركا وروسيا وغيرهم.
البروفة الإرهابية في باريس وبروكسل أعادت إلى الأذهان مخاطر المصالح وأرباح الاقتصاد والنفوذ وتبادل العقوبات بين المعسكرات والأحلاف الدولية والشخصيات المغرورة بتاريخها القومي أو الديني، والتي لا تبالي بالآخر المسجّى القتيل في أرض العرب. عدم إطفاء الحرائق في منطقتنا، وعدم لجم إيران ووليها وغطرستها القومية الفارسية، والانتصار المتبادل بين أوباما والمفاوض الجبان الإيراني، على حد زعم تصريح خامنئي، نذير تفاحة نووية أو قضمة فم أدرد سيقذف بكل سياسات التخاذل أو التواطؤ أو الغرور بحقيقة أنهم لم ينزعوا في الوقت المناسب، فتيل الإرهاب من قنابل نووية متعددة، أخطرها حتماً، قنبلة في عقل جنة المرشد