العرب - عتب العراق حتى الغضب من العرب الذين تأخروا في نجدته من دكتاتوره صدام حسين حتى أتى الأميركان المنقذين. نسي أبناء الرافدين وقتها أن المكبلين بدكتاتورياتهم لم ينقذوا أنفسهم حتى ينقذوه، وأن وجود أولئك الحكام بالضبط، وببساطة، هو سبب استمرار مأساة الفلسطينيين التي تاجروا بها طوال ما يقرب من سبعين عاما.
بعد حوالي ثلاثة أعوام من احتلال الولايات المتحدة للعراق، بدأت تتضح الصورة أمام العراقيين العاتبين، حين ظهرت أمراض جعلت عراقيين وعربا يذكرون حكم صدام بما يقرب المديح بالمقارنة مع شبح الطائفية الذي أطل في العام 2006، ليصبح بعد حين خبرا يتكرر وصولا إلى دخول تنظيم داعش المعادلة في العام 2013 بنسخته الأولى المعدلة من “الدولة الإسلامية في العراق”.
فرحة الخلاص من الدكتاتور أنست أبناء الرافدين أن الولايات المتحدة استغرقت 12 سنة، ناهيك عن عقدين سابقين، حتى تدخلت بجيش عرمرم لإسقاط صدام حسين، و”إنقاذ العراق من الدكتاتور”.
|
وبين 1991، حين احتل صدام الكويت في فجر 2 أغسطس، وفجر الخميس 19 مارس 2003 حين بدأ القصف الأميركي والحرب الإلكترونية على العراق، واحتلال بغداد بعد 19 يوما في 9 أبريل بعد اختفاء صدام منها وإسقاط تمثاله في إحدى ساحات العاصمة، تـدرج الدكتاتور في جبـروته، بينما كانت حياة الناس في انحدار مستمر لشروط حياتهم.
أخذت أميركا وقتها لـ“نجدة العراقيين”، فحطم احتلالها ما تبقى من دولة العراق، الذي لا يزال وضع أبنائه يتردى اجتماعيا واقتصاديا، حتى بالنسبة إلى من بادر منهم إلى خلاصه الفردي بالهجرة واللجوء في أرجاء العالم الصناعي الذي تتزعمه أميركا بالسلاح والغزو، دون أن تستقبل من المهاجرين إلا القليل بالرغم مما تسببت فيه.
في سوريا، لو كان في الأمر سياسة على الأقل، لقالت أميركا باراك أوباما كلمتها بعد 21 أغسطس 2013 بأيام، بعد استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيميائي في قصف الغوطة الشرقية، ومقتل ما يزيد على 1200 مدني، خاصة أن الرئيس الأميركي حذّر وتوعّد نظام دمشق من اجتياز الخطوط الحمراء باستخدام السلاح الكيميائي ضد معارضيه. نعم العراق غير سوريا، والزمن اختلف، لكن صدام حسين لا يختلف كثيرا عن بشار الأسد، وإن كانت ظروف البلدين وتركيبتهما الطائفية والإثنية مختلفة.
يبقى أن أميركا هي المتغير الأكبر، فأميركا رونالد ريغن خاضت إدارة الحرب العراقية بسياسة الاحتواء المزدوج، وأنهى ريغن عهده بسقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه بعد فترة وجيزة من هزيمته في أفغانستان، كما أن جورج بوش الأب دشن عهده بحرب الخليج الثانية في الكويت، بحشد أكبر تحالف دولي لمعركة “عاصفة الصحراء”، وأخذ بيل كلينتون نصيبه بإدارة حرب البلقان والقضاء على الطموحات الصربية الكرواتية بابتلاع جمهوريتي البوسنة والهرسك، ومن ثم كوسوفو، وتابع جورج بوش الابن سيرة أسلافه بحرب الخليج الثالثة.
وحده أوباما من بين رؤساء أميركا، منذ رئاسة الديمقراطي جيمي كارتر، لم تكن له حربه، لكن كارتر سقط في كسب معركة الولاية الثانية بسبب ضعف أدائه بعد احتجاز أنصار الخميني موظفي السفارة الأميركية في طهران. مع ذلك لم يكن مقدرا أن يسقط أوباما في الولاية الثانية التي بدأها في يناير 2013، ليس فقط لأن مجزرة الكيميائي حدثت بعد شهور من بدء ولايته، بل لأن الأميركان شبعوا حروبا ويعانون منذ 2007 أزمة اقتصادية تتراوح بين الركود والاستقرار.
فقد السوريون أملهم في تدخل عسكري أميركي منذ ثلاث سنوات، والآن خاصة بعد أن دخلت الرئاسة الأميركية فترة “البطة العرجاء” قبل شهور من نهاية زمن أوباما في الرئاسة، وبداية الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، كما فقدوا الأمل في نجاعة سياسية تقابل التغطرس الروسي في دعم نظام بشار الأسد في زمن النسخة السورية من مفاوضات جنيف التي تشبه في وجه من وجوهها “اتفاقية أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حتى وهي تجري في العلن بالمقارنة مع الأولى التي تم تمريرها في أقبية أوسلو.
بعد قصة الموت المعلن الذي لا يزال العراق يقاومه منذ العام 2006 خاصة، وقصة الحرب السافرة لنظام بشار الأسد على السوريين منذ 2012، ووقاحة الدعم الإيراني وميليشيا حزب الله لنظام دمشق، في مقابل نأي أميركي بالنفس عن حرب لا مصلحة لها فيها، لا تزال دروس التاسع من أبريل (العراقي) تنتظر من يقرأها ويفسرها، وعلى ضوئها: هل يستمر السوريون في حربهم على النظام، أم يستسلمون لأبد للدكتاتور؟ السوريون اختاروا، لكن المقتلة مستمرة، مادام في يد النظام سلاح أقوى مما تمتلكه المعارضة. وهنا، لا وقت للسياسة، سياسة الأميركان، أو الروس، أو السوريين!