الرياض- بقدر ما يظهر عليه النظام القضائي والعدلي في أي دولة من تماسك وتناغم ورصانة وانسجام، بقدر ما ينعكس ذلك إيجاباً على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تلك الدولة، فالعدل مبتغى كل مجتمع ومطلب كل فرد، ومتى ما تحقق ووُجد كان الاستقرار سمة والطمأنينة مظهراً. يتعامل القضاء مع أكثر وأدق الأمور حساسية وإلحاحاً في حياة الأفراد بدءاً بعلاقاتهم الاجتماعية والشخصية والمالية وحتى علاقاتهم مع الدولة. لذا كان هذا المرفق محط أنظار المجتمع بكافة شرائحه وتفاصيله، وبقدر ما تطور المجتمع وازدادت علاقاته قرباً وترابطاً ارتفع معدل الحاجة إلى التقاضي ليس بالضرورة بفعل التعادي أو التعدي بل للحاجة إلى حياد يجب الاحتكام إليه، وهو أمرٌ يرتضيه الناس في شخص القاضي والمؤسسة العدلية التي يمثلها.
وبالتالي كان ولابد من جعل تلك المؤسسة خاضعة لنظام تُدار به.. نظام لا يتعلق بالأفراد بل بإجراءات تجمع بين المرونة والإنجاز والصرامة في آن، فالقضاء وما يتعلق به من قوانين وممارسين يغلب عليهم الكثير من سمات التشبث بالطرائق التقليدية، وهذا لم يعد مستساغاً أو منطقياً في عصر التقنية التي تمنحنا المرونة وسرعة الإنجاز والصرامة التي نقصد بها هنا سلامة الإجراءات وضمان مطابقتها وصدقيتها، ولا أدل على ذلك إلا اعتماد وزارة الداخلية - التي يتوفر لديها بيانات المواطنين والمقيمين وتفاصيل في منتهى السرية والخطورة - على التكنولوجيا والأتمتة بشكل واسع مثير للإعجاب، ولعل تلك الإجراءات تنعكس على شعار وزارة العدل تحقيق العدالة الناجزة بجودة وإتقان. إن مأسسة العمل العدلي أمرٌ مطلوب وارتباط دوران عجلته بشخص أو أفراد أمر مرفوض، لذا فسنّ الإجراءات والمضي في تنفيذها والتأكد من مواءمتها أمرٌ يستوجب الاستعجال والإنجاز، فالقضايا تزيد ولا تنقص ومتى ما أدخلت في ذلك النظام الإجرائي المؤسسي الذي يضمن مرورها بسلاسة كان انعكاس ذلك رضا وراحة على الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
حالياً تعكف وزارة العدل على جملة من المشروعات ذات الطابع الإجرائي سيكون تنفيذها على أرض الواقع مبشراً ومدشناً لنقلة تتواكب مع استعداد الدولة تدشين مرحلة تحول اقتصادية، ولاشك أن دور المؤسسة العدلية جوهري وحيوي في هذه اللحظة.. من ضمن تلك المفاهيم التي تنوي الوزارة تعزيزها والمشروعات المهمة التي تعمل عليها الآن؛ تعزيز الشفافية، التسبيب القضائي، التوسع في قضاء التنفيذ، تعزيز الأمن العقاري، أتمتة خدمات المستفيدين، إنشاء إدارة المتابعة الإليكترونية بالتفتيش القضائي، البدء في تطبيق مشروع التنظيم الإداري بالدوائر القضائية بمعنى (فصل القاضي عن الأعمال الإدارية)، التوسع بتعيين القضاة، وافتتاح المحاكم التجارية لدعم الاقتصاد والاستثمار..، إن حجم المشروعات التي تنوي وزارة العدل المضي في تدشينها يضعها أمام مسؤولية واستحقاق تنفيذها، وهي قادرة في ظل الإمكانيات والدعم والثقة الممنوحة لجيل الشباب القادر على مواصلة الساعات بالساعات من أجل خدمة الوطن والمواطن.