2016-04-27 

لن تسير السعودية بـ«البركة» بعد اليوم

فيصل العساف


الحياة - على رغم إيجابية كلمة «البركة»، إلا أن السعوديين طالما استخدموها في نطاق السلبية، في اعتراض مبطّن على غياب الخطط الاستراتيجية الواضحة، والمبنية على أسس متينة يمكن البناء عليها نحو مستقبل أكمل. وعلى رغم أن هذه البركة كانت مصاحبة لنا بالفعل طوال عمر هذه الدولة، وتكفلت بعون الله ثم بالنيات السليمة للقيادات السعودية المتعاقبة في حفظ البلاد والعباد من هزات العالم الاقتصادية أو العسكرية، القريبة والبعيدة، إلا أن ولاة الأمر في سعودية اليوم اضطلعوا بمسؤولياتهم الجسيمة في مواجهة تحديات المستقبل، انطلاقاً من مبدأ العمل المؤسساتي المدروس، متكئين في ذلك على إرث النقلة الحضارية الذي عمل بأقصى طاقاته المتوافرة في كل جيل، وصولاً إلى رؤية السعودية 2030.

 

لست محللاً اقتصادياً، وسأترك الحديث لأهله في هذا الشأن، وسأتحدث حديثاً «عاطفياً» كمواطن سعودي له رؤية وتطلعات، كغيره من السعوديين، نعيش في هذه البقعة الجغرافية مترامية الأطراف في محيط تتقاذفه أمواج التغيير التي سببتها عوامل عدة، يأتي في مقدمتها غياب الشفافية، وكذلك غياب العدالة الاجتماعية التي أدت إلى تكدس الفرص ورؤوس الأموال في فئات محددة، غيّبت معها الإحساس بالمسؤولية والانتماء، حتى أصبحت مقولة: «أنا أو الطوفان من بعدي» هي أسّ المعادلة الحياتية وجوهرها، بعيداً كل البعد عن الإتقان الذي هو إحدى ثمرات الإخلاص. ليس سراً أن السعوديين تأثروا كثيراً في ما يحيط بهم، فالخشية على المستقبل باتت أشد في نفوسهم خوفاً من تقلبات الزمان الذي عصفت ظروفه بالدنيا من حولهم، لذلك ومع ما ذكرته من غياب الخطط المدروسة بالشكل الذي يغري طموحاتهم، فإن كثيراً من الأسر أضحت تستعد في شكل أو آخر لذلك المستقبل المجهول، الأمر الذي دعانا إلى أن نسمع وللمرة الأولى في السعودية عن هجرة معاكسة إلى خارجها وبأرقام ليست بالسهلة، مثلما شهدنا أيضاً موجة غير مسبوقة تمثلت في شراء السعوديين المساكن في بعض الدول، كل ذلك كان يغلّف حسرة على مكامن الخلل التي أغفلت استثمار جوانب الخير الوفير الذي تحويه بلادهم، بالشكل الذي يخدم استقرارها وأمنها، بدءاً من العقول والطاقات البشرية التي أظهرت كفاءة عالية في شتى مجالات العمل، وليس انتهاء بالهدر الحاصل للعوائد المادية الضخمة جراء بيع النفط في تقديم بنية مساندة، تشكل رافداً لمداخيل الدولة يقيها مغبة نضوب المورد الأساسي، ويكفل لأبنائها حياة كريمة يعتمدون من خلالها على أنفسهم، بعيداً كل البعد عن الدولة «الأب» الراعية التي تعمل بالنيابة عنهم.

 

رؤية السعودية 2030 تعتمد في شكل مبسط وبكل مباشرة على التأصيل العلمي والمهني المدروس من جهة، ومن جهة أخرى على الشفافية والمشاركة والمحاسبة، وهذه المبادئ وحدها تكفل في الشكل والمضمون مواطنة سليمة مبنية على الحقوق التي ترتكز على الواجبات من دون إخلال أي منهما بالأخرى، وهي بتفاصيلها الباعث الوحيد للأمن النفسي الذي يجسّد واحداً من أهم جوانب الأمان المطلوبة في سبيل مستقبل أكثر طموحاً وأملاً واطمئناناً.

 

ختاماً، وفي هذا المقام يجب التنويه إلى أن ما تم العمل عليه خلال السنة الماضية، وكانت ثمرته تحولاً وطنياً مستقبلياً جدد في النفوس الأمل، وليس من المبالغة القول إنه أحيا جوانب كامنة في المواطنة المتأصلة في شعب يعشق أرضه حتى الثمالة، ومن هنا فإنه لا ينبغي تفويت فرصة إظهار الامتنان لراعي هذا المشروع التنموي الكبير، صاحب الرؤية التي ربما تكون - من غير غلو ولا إفراط - النقلة النوعية الأبرز في تاريخ السعودية الحديثة، ولي ولي العهد السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي يعرف المقربون منه عدم انشغاله بأمر المدح على الإطلاق، ولكنه وضع الأمور في نصابها، وإعطاء الحقوق لأصحابها، فلك من السعوديين الوعد الصادق ببذل الجهد المستحق نحو 2030 تتحقق فيها الأهداف، بالقدر ذاته من الحمل الذي وعدتهم به في الإشراف على تحقيق الطموحات من دون هوادة أو محاباة لأحد.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه