لن يكون بالجديد الحديث عن طور جديد دخلته العلاقات السعودية الامريكية منذ الاتفاق النووي الامريكي الايراني. بما ان التوتر والفتور حل بدل التحالف والتنسيق المشترك والتاريخي بين واشنطن والرياض في المرحلة الجديدة وهو ما يضع مستقبل العلاقة بين البلدين محل تساؤل أمام ما تواجهه من تحديات لكن في ذات الوقت لا يمس من حاجة كل بلد للآخر وإن تغير اطار العلاقة بين الحليفين.
في هذا السياق قدم سايمون هاندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، «اللجنة الفرعية حول الإرهاب ومنع الانتشار النووي والتجارة» والتي اكد فيها بان طبيعة التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الاوسط تضع العلاقات بين واشنطن والرياض أمام تحديات يجب التعامل معها بذكاء وحذر حتى لا تخسر الولايات المتحدة الامريكية حليفا استراتيجيا وتاريخيا في المنطقة قد لا يمكن تعويضه.
ويؤكد أندرسون في شهادته ان مميزات المملكة ووزنها الاقليمي والدولي القوي تجعل من ضرورة التفاعل معها ايجابيا أمرا ضروريا بما ان السعودية وفقه تمثل "زعيمة العالم الإسلامي وأحد قادة العالم العربي، إن لم نقل زعيمته الأولى، وبحكم كونها أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، قائدة عالم الطاقة ".
ويشير هاندرسون الى أن التطورات المرحلة الصعبة التي دخلتها العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تعود بالأساس الى التطورات الداخلية التي تمر بها المملكة خاصة على مستوى سدة الحكم بداية من صعود جيل شاب الى الحكم يتقدمهم الملك سلمان وولي ولي العهد محمد بن سلمان اضافة الى التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية للمملكة والتي تتسم بالصرامة والحزم في التعامل مع ما يحاك ضدها من تهديدات ومؤامرات خارجية على راس قائمتها ايران حيث يقول الخبير الامريكي " توجّب على آل سعود القتال على جبهتين متناقضتين: مكافحة الأذى الإيراني على المستوى الإقليمي، بما في ذلك الدعم المقدم للأقلية الشيعية في السعودية، والتعامل في الوقت نفسه مع المتطرفين السنّة، بمن فيهم الجهاديين المحتملين في الداخل والخارج." كما يعتبر هاندرسون أن السياسة الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط عاملا اساسيا في القوة والحزم الكبير الذي تظهره السعودية التي تشعر بالخيانة الامريكية للتحالف بين البلدين خاصة بعد الاتفاق النووي مع ايران.
وعليه ونظرا لهذه المتغيرات يؤكد الخبير الامريكي أن تحديات كبيرة تنتظر العلاقات بين البلدين أولها المتعلق بمكافحة الإرهاب خاصة في ظل وجود نقاط اختلاف ففي ما يتعلق باليمن، تعتقد واشنطن أن العمل العسكري بقيادة السعودية الذي بدأ منذ أكثر من عام، قد أسيء فهمه ولن يفضي إلى أي نتيجة إيجابية. فضلاً عن ذلك، بالغت الرياض بدور إيران في دعم المتمردين الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، تتمثل وجهة نظر الولايات المتحدة، بأنه عوضاً عن التوجه نحو تهدئة الأوضاع المتوترة بين طهران والرياض، يبرز خطر التصعيد. ويذكر هاندرسون انه في السنوات الأخيرة، لطالما وصفت المملكة العربية السعودية علناً علاقتها مع الولايات المتحدة في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب بعبارات مبتذلة، كما لو أن أي تلميح إلى النقد الصريح يأتي بنتائج عكسية. ولكن هذه العلاقة اكتست بعداً جديداً ومعقداً منذ تغيّر القيادة في المملكة في كانون الثاني/يناير 2015 وخاصة بعد التصريحات المثيرة للرئيس الامريكي اوباما والتي اتهم فيها الرياض بتغذية العنف في الشرق الاوسط.
وثاني التحديات وفق هاندرسون هي النظرة السعودية تجاه الأمن الداخلي، والتي يتم من خلالها تحديد التهديدات على نطاق واسع، حيث تنظر واشنطن بعين الريبة والقلق لردود الفعل السعودية في ما يتعلق بالاعدامات التي تستهدف الشيعة رغم ان اكثر هذه العمليات تستهدف أغلبية سنية ثبتت إدانتهم في اثارة الفوضى في السعودية. اضافة الى التعامل السعودي الذي يميل دائما للقوة في حسم الخلافات الاقليمية وفق الولايات المتحدة الامريكية.
ويختم هاندرسون شهادته بالتأكيد على أن مستقبل العلاقات بين البلدين يتسم بعدم اليقين والغموض رغم أن الحاجة المشتركة لشراكة فعالة في مجال مكافحة الإرهاب أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى. وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتبر شراكتها الحالية مع المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب من المسلمات. وبالرغم من الخلافات والإهانات العلنية، لا بد من تكييف العلاقة بين الدولتين بحيث تتم المحافظة على جوهرها مع استمرار حالة عدم اليقين على الصعيد السياسي .