أولا يستوجبنا الحال العربي أن لا ننغمس في جدل لغوي أو فقهي في تناولنا للإرهارب من حيث الفكر أو الفعل لأن العالم أجمع على أن الدم أول عناوينه و القهر و الخراب ثقافته و إرثة . فالعنف هو المنهجية الوحيدة للتنظيمات الارهابية و حتى المتبناة منها من قبل دول بشكل مستتر مثل طالبان ، و بإعادة قراءة تاريخ ذلك التنظيم تحديداً اي بعد الغزو الأمريكي لافغانستان لا قبله ، سيجد أن هذا التنظيم بشقيه الباكستاني و الأفغاني مثل حقل التجارب الأول القابل للاستنساخ في اكثر من مكان عبر برامج غربلة في أكثر ظرف مكاني يملك خاصية الاستدامة . و طالبان افغانستان احتضنت من دول سياسيا لانها تمتلك خاصية لا تمتلكها القاعدة ، الا و هي كونها نتاج ثقافة المكان و تمتلك قدرة الاستدامة مكانيا بخلاف القاعدة . ذلك النجاح هناك قاد لتخليق داعش في مكان جديد ، فداعش تم تخليقها في العراق بعد وقت لاحق للغزو الامريكي في ٢٠٠٣ ، و الذي عكف أولاً على تدمير كل هياكل الدولة القائمة ، مما مثل تهيئة المناخ و البيئة الطبيعية القابلة للاستدامة تنظيما مثل داعش . و داعش في نسختها القائمة جاءت بعد عدة تجارب ميدانية فاشلة في التخليق نتيجة عدم تهيأوا الظرف المناسب لاستدامتها ، لكن انتفاضة الانبار العراقي و الثورة السورية أوجدت نقاط التقاء مصالح نظامي المالكي و بشار في التوظيف الأمثل لها عبر حدود بلديهما حتى حان وقت دخول أطرافا اخرى على خطوط تقاطع المصالح الإقليمية و اضفاء ابعاداً اخرى في التوظيف الميداني و السياسي و الإعلامي . ما سبق يقودنا لطرح لسؤال اخر : هل الموقف العربي سياسيا من داعش هو الأمثل ! بقراءة النتائج تتضح أن أحد أكبر الأخطاء التى وقع فيها الموقف السياسي العربي من داعش هو التسليم او الاقرار بالتصور الامريكي له مما خدم قدرة التوظيف الإعلامي و السياسي لداعش . و أكبر اشكال ذلك التوظيف هو التواصل العسكري ميدانيا بين الولايات المتحدة و إيران في العراق الى حد اعتبارها شريكا اصيل في الحرب على داعش ، بل السماح لها بتنفيذ غارات محدودة ضد أهداف لداعش في الشمال العراقي لاسترضاء إيران في ملفات اخرى على رأسها ملفها النووي ، و ثانيا تأخر حسم الملف السوري و وصول الوضع الانساني فيها الى ما تجاوز الكارثة الانسانية . داعش ستستمر في التدحرج جغرافيا حسبما تقتضية تقاطع المصالح و ما مبايعة انصار الشريعة و القاعدة في ليبيا للبغدادي أمير عليها الا محاولة لتحقيق اكثر من هدف : أولاً : اعادة هيكلة تواجد الفصيل الام " القاعدة " في الشمال العربي الأفريقي بالاستحواذ على تنظيمات تفتقد لهيكلية تنظيمية و عملياتية واضحة ، لذلك جاء اول تصريح لتركي البنعلي ممثل البغدادي في شمال افريقيا بضرورة مسارعة الجميع الى مبايعة البغدادي او تحمل عواقب ذلك . ثانيا : توافر البيئة السياسية و الاجتماعية بشكل أمثل في ليبيا إلأن مما هو علية الحال في العراق او سوريا نتيجة الاستهداف العسكري لها ، و حيث تعتبر الحاضن الأمثل لها لتحقق حالة الدولة الفاشلة مما يعطيها فرص نجاح اكبر مستفيدة من ديمغرافيا قد تتحول لمتعاطف معها بشكلاً سريع في حالة تقاطع المصالح . ثالثا : حاجة الطرف السياسي الأضعف حاليا " الإخوان عبر البرلمان المنحل " لزخم سياسي ميداني يعطي محادثات الشراكة السياسة المهددة بالتعطل بعداً جديدا ، لذلك جاءت تلك الجريمة في حق ٢١ مواطن "مسيحي" مصري لأحداث حجم الصدمة النفسية القابلة للتوظيف المعنوي . لكن ما يجب ان يشغلنا حقيقةً هو توافر ظروف مماثلة لليبيا في اكثر من موقع و تمتد إلى عمق افريقيا الوسطى غربا ( بوكوحرام ) و هذا شان يجب ان يجابة بجهد دولي حقيقي ، لكن هدف التدفق المقبل لداعش سوف يكون الشرق الأفريقي و الصومال تحديدا . فالصومال تمثل اكبر أمثلة الدولة الفاشلة و تمتد جغرافيا في شكل خنجر الى خاصرة الجزيرة العربية . و من الصومال ستستطيع داعش الانتقال الى اليمن ، حيث تمثل حالة عدم استقرار سياسي و القابلة لان تتطور لاحقا الى حالة عدم استقرار اجتماعي . ، و نحن نتحدث هنا نتحدث عن كتلة ديمغرافيا و طبوغرافيا هما الانسب لداعش ، عندها سوف يفشل اي برنامج احتواء قابل للتوظيف لاحتوائها ضمن الحدود اليمنية . داعش ليست تنظيما ارهابيا بل آلية خُلقت لتثبيت حالة الفراغ السياسي عربيا لا لخلق دولة الخلافة ، فهي اداة تكتيكية لا مشروع سياسي و علينا التعامل معها من ذلك المنطلق لا باي شكل اخر ، و لندرك سريعا ان الاستمرار بقبول حالة الفراغ السياسي في الخواصر يجب ان يتم التعامل معه من باب التهديد المباشر للامن القومي لا السياسي القابل للتعاطي عبر اليات الدبلوماسية التقليدية .