وصلت نسبة المتقاعدين قبل بلوغ السن النظامية المسجلين في المؤسسة العامة للتقاعد بشكل عام 41.7 % بحسب التقرير الإحصائي الأخير للمؤسسة برغم المميزات التي يمتاز بها العمل في القطاع العام و التي من أهمها ساعات العمل الأقل و الامان الوظيفي.
وبحسب القانون يستحق الموظف المدني معاشا تقاعديا في حالة التقاعد المبكر اذا كان محالاً للتقاعد بناء على طلبه ولديه خدمة مدنية لا تقل صافي مدتها عن ٢٠ سنه كاملة بشرط موافقة الجهة التي تملك حق تعيينه حتى و إن لم يبلغ سن التقاعد المحدد ب 60 عاما.
و يعدّ التقاعد المبكر أحد أهم أشكال تسرّب الكفاءات من المؤسسات الحكوميةكما أنّ التساهل في تطبيقه يتسبب بتكاليف إضافية من أجل إحلال و تدريب الموظفين الجدد و يعد ّ تفريطاً بخبرات متراكمة و تجارب ناضجة يصعب تعويضها بلا شك، إضافة إلى أن استمرار وجود هذه الكفاءات من شأنه أن يدعم الحفاظ على بيئة عمل ناضجة و مستقرة خاصة و أننا مقبلون على مرحلة حسّاسة و حيوية في تنفيذ خطة التحول الوطني التي تحتاج تكثيف جهود جميع الكفاءات لتحقيق أهداف التنمية، لذا ينبغي أن تتعامل المؤسسات الحكومية مع التقاعد المبكر باعتباره مهدداً حقيقيا لنجاح خطط التنمية في القطاع العام و تطوير كفاءته.
و لعل أكثر القطاعات التي تتعرض لهذه المشكلة هي قطاع التعليم ومنسوبي قطاع التعليم إذ أنهم من أكثر الفئات طلباً للتقاعد المبكر نتيجة لضغوط العمل و مشاكل التنقلات.
و تتلخص أهم أسباب طلب التقاعد المبكر من قبل القطاع العام عموماً فيما يلي:
- أسباب اجتماعية أو أسرية أو صحيّة وهي مجموع الظروف الخاصة التي قد يمر بها أي انسان تمنعه من الاستمرار بوظيفته رغم مزاياها كالزواج أو تغييرات في محل الإقامة أو الحالات الصحية الخاصة كما في حالات ذوي الاعاقة.
- الاستجابة للإغراءات المادية و المعنوية المتوفرة في القطاع الخاص إضافة لأمكانية تقاضي راتبين و بالتالي زيادة الدخل
- التفرغ للعمل الخاص بعيدا عن قيد الوظيفة بالاستناد إلى الراتب التقاعدي
- الترهل و البيروقراطية والمركزية و الفساد في بعض الإدارات في القطاع العام
-
- السأم من الروتين والرتابة المرتبطة بالوظيفة الحكومية و بيئة العملالمحبطة قد تدفع الكفاءات للتقاعد المبكر أو الانتقال لوظائفأخرى
- ضعف الإنتماء الوظيفي خاصة إن لم تكن تتوافق أهداف الوظيفةمع الأهداف الشخصية للموظف
- ضعف برامج التأهيل و التدريب و التطوير
- غياب الأهداف و المهام الواضحة في العمل مما يفقد الموظف بوصلته و ومعها حماسه و شغفه تجاه بيئة العمل .
- ضعف الحوافز المادية و المزايا التي تغري بالبقاء في القطاع العام رغم ما قد ينافسه من مغريات في القطاع الخاص
- العبء الوظيفي و التنقلات خاصة في وظائف التعليم
- انعدام الولاء الوظيفي تجاه العمل و على الجانب الاخر فإن عدم التقدير للموظف يسهم في انعدام الرضى الوظيفي
- الواسطة و المحسوبية في المنظمات وانعدام العدالة في نظام الترقيات
و بالاتفاق على حقيقة أن التقاعد المبكر له أيضاً بعض السلبيات على الموظف نفسه أهمها الانخفاض في الراتب التقاعدي عن الراتب الأصلي و أهمية التكيف مع ذلك عدا عن الاثار النفسية و الاجتماعية التي قد تلحق المتقاعد إن لم يوفق في وظيفة أخرى في القطاع الخاص أو بفرصة للعمل الحر ، اقترح تالياً بعض الحلول لمشكلة التقاعد المبكر:
• التقيد بالعمل الجاد ضمن خطط مدروسة و أهداف واضحة تتسق مع الأهداف الفردية للموظفين في المؤسسة
• دعم نظام المزايا و الحوافز بشكل يضمن مكافأة المجتهد و و تمييزه عن غيره و خلق بيئة عمل تدعم التنافس الشريف لتحقيق أهداف المؤسسة.
• بحث إمكانية تقديم المزيد من الدعم المادي و البدلات التي تغري باستكمال مدة الخدمة كاملة قبل بلوغ سن التقاعد و تعزز الرضا الوظيفي للموظفين
• التركيز على التدريب و التطوير المستمر خدمة للموظفين و دعماً لأهداف المؤسسة
• رفع سن التقاعد و بالتالي رفع السن المتاح للتقاعد المبكر و مراجعة شروطه من أجل تقليص أعداد المتقاعدين مبكرا.
• تكثيف الجهود في البحوث الخاصة بالتقاعد المبكر لتقصي أسبابه و الوقوف على الحلول المناسبة
إن التقاعد المبكر بكل سلبياته و إيجابياته على الدولة و على الموظف العام إلا أن الكثيرين يختارونه مجبرين ، و هؤلاء عليهم أن يدرسوا القرار جيداً من عدة نواحي منها مقدار الراتب التقاعدي و السكن و الديون و الالتزامات المادية ، ثم إن عليهم وضع خطط قصيرة وطويلة الأجل لأنفسهم ليؤسسوا من خلالها انطلاقة قوية في مشاريع توظف من خلالها خبراتهم الطويلة و معارفهم المتراكمة بشكل يعود عليهم وعلى الوطن بالنفع.
بقلم / نايف حمد العُمري