"المفهوم الصحيح لأهل السنة والجماعة وأثره في الوقاية من الغلو والتطرف" ، بهذا العنوان انطلق المؤتمر الذي شهدته الكويت العاصمة وحضره عشرات من رجال الدين من حول العالم، وخلص بيناه بأن الهدف من التجمع هو الذب عن منهج أهل السنة والجماعة وتبرئته من تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
وحرّم البيان الثورات والخروج على الحكام، ورفض نسبة التنظيمات المتشددة إلى السلفية التي قال إنها قائمة قبل ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.
وقد وصف بعضهم المؤتمر الذي ترأسه مفتي موريتانيا بانه رد ضمني على مؤتمر غروزني وما جاء فيه من تعريف لـ"أهل السنة والجماعة" ، حيث أثار جدلا واسعا لعدم إشارته إلى السلفية.
وتعقيبا على مثل هذه المؤتمرات التي تنشط في عدة عواصم عربية لأجل مكافحة التطرف الديني ونشر الاعتدال ونهج الشريعة الاسلامية السمحة ترافقها دعوات تجديد الخطاب الديني ، فإنني من واقع دراسة أكاديمية ومن وحي اعدادي لأطروحة الدكتوراه الموسومة دور الخطاب الديني في وسائل الاتصال في تشكيل اتجاهات الجمهور نحو القضايا السياسية ، ارى بأن المتابع للخطاب الديني في الساحة الخليجية يشهد تفرعاته وانقساماته ما بين خطاب ديني شيعي وآخر سني الى جانب الخطرات الوجدانية الصوفية وخطاب التيارات الجهادية والسلفية.
و لكن اشدها خطرا ذلك الخطاب التكفيري الذي يتخذ لنفسه قواما يفصّله على هواه بما يتوافق مع توجهاته للتكفير والتفرد على الساحة.
ولو اخذنا مثال على واقع الخطاب الديني في مملكة البحرين تلك المملكة التي تتوسط الخليج العربي وتعرضت لعدة هزات عبر تاريخها لكنها تمسكت في كل مرة بنهجها العروبي والديني ولم تحيد ، فإننا سنرى ان الخطاب الديني فيها يعكس الواقع الخاص للبيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية السائدة في البلاد حاليا، حيث حدثت حالة من الاستقطاب المذهبي نتيجة الأحداث السياسية والاضطرابات الأمنية التي وقعت عام 2011 م، وهي أحداث فاصلة في تاريخ هذا الخطاب بتعداداته المتوائمة والمتعايشة منذ القدم قبل هذا التاريخ، وربما كانت الوقائع السياسية داخلياً وخارجياً عاملاً ضاغطاً أدى إلى هذه النتيجة التي لم يكن يتوقع أن تصل إلى هذا الحد.
فالانتماء المذهبي دينياً وجد من يتلقفه من خارج الحدود ويحاول سلخه عن الانتماء الوطني لتحقيق أغراض ليست في المصلحة الوطنية، لكنها بطبيعة الحال تخدم المصلحة الخارجية سواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود ، فالتجاذب السياسي الذي كان يظهر بين الحين والآخر وعلى فترات متباعدة منذ عام 1971م كان أغلبه سياسياً، ولم يكن للخطاب الديني المذهبي توجهاته أو لغته الحادة التي تستثير النعرات الانتقامية أو الثأر التاريخي أو مقولات الاضطهاد الديني أو التمييز على أساس طائفي وغيرها، إذ كانت الايدلوجية الوطنية حاجزاً في وجه هذا المنحى، حتى جاء فبراير 2011 وما أثاره من أطروحات إقصائية جعلت اتباع كل مذهب يتبنون خطاباً مواجهاً للرد على هذا الطرح الجديد .
وبغض النظر عن مدى قصدية خطاب فبراير 2011 ، إلا أن ما أحدثه من شرخ طائفي لا يزال يتفاعل داخلياً ويتماهى خارجياً مع طروحات إقليمية ودولية تتحقق فيها قصدية التوجيه بغرض تفتيت الدولة الوطنية، بغض النظر عن حجمها الجغرافي أو الاستئثار والاستحواذ لطرف على حساب أطراف أخرى .
وهناك عدة تحديات تقف أمام مسألة تجديد الخطاب الديني في وسائل الاتصال العربية بصفة عامة ومن بينها وسائل الاتصال في الخليج العربي ،يتقدمها الجهل الذي تفشى لدى قطاع واسع من المتعلمين، فالمسألة الدينية الاسلامية وقعت بين فكي رحى أولها الجهل و ثانيها التوظيف السياسي للخطاب الديني الذي انتشر في العقود الاخيرة بالوطن العربي، نتيجة فشل المشروع القومي والمشروع الاشتراكي ، وأيضا بسبب الثورة الايرانية التي اعتبرها البعض الحل النهائي لمعضلات الإنسان المسلم - وهي ليست كذلك- لأنها لم تقدم أي حلول في مسائل الحريات العامة والنجاح الاقتصادي، ولكن حتى الآن يُسوق البعض إما النموذج الإيراني أو النموذج التركي، دون أن تظهر أو تتبلور مدرسة عربية في التجديد الديني ، فما هو موجود لا يعدو محاولات قليلة وغير منتشرة.
وبرغم ما تبذله الحكومات العربية والاسلامية من مساعي عبر وسائلها الاتصالية وقنواتها الاعلامية وعقدها للمؤتمرات حرصا على تنقية الخطاب الديني بكل توجهاته عن الطروحات المتشنجة أو التي تدعو إلى الاقصاء، ودعوتها بين الحين والآخر إلى تبني قيم التسامح والمحبة واحترام حقوق الأديان والطوائف الأخرى. ، لكن السؤال يدور حول مدى وجود جهد ممنهج أو برنامج عمل من أجل تجديد الخطاب الديني؟!
لقد عُقدت العديد من المؤتمرات لمعالجة قضايا الخطاب الديني مثل مؤتمر التقريب بين المذاهب في البحرين، كما انتظمت كثير من الفعاليات التي تضم رجال دين وفعاليات اجتماعية وسياسية، لكن التوصل إلى مبادئ عامة لقضية التجديد لا يزال بعيداً ،حيث أن بعض الانتماءات الدينية في تكوينها ونشأتها ليست ذات طابع محلي، فكثير من هذه التيارات الدينية إن هي إلا صدى أو امتدادات دينية لتيارات لها وجودها في دول أخرى ، وهو ما يتطلب جهداً أكبر في التعاون مع منظمات اسلامية مثل الأزهر الشريف أو رابطة العالم الإسلامي أو منظمة التعاون الإسلامي .