يقال إذا كنت موظفًا في أي قطاع كان؛ فلا تجعل قمة الهرم الوظيفي هدفًا، إنما هناك ما هو أعلى وأكثر فائدة.
المستشار، وظيفة تجني لصاحبها مبلغ ما بين 3000 و10,000 دولار أمريكي في اليوم، وعلاوة على هذا المبلغ فإن المستشار دائمًا ما يُقدر بسفره وإقامته؛ إذ لا يسافر إلا بدرجة رجال الأعمال ولا يقيم إلا في الأجنحة التنفيذية بالفنادق الفارهة، كل هذه المميزات مقابل رأيه الإداري ومشورته، ولتحظى بهذه الوظيفة؛ فإن عليك العمل في قطاع معين لفترة طويلة خارج البلاد، وعليك أن تتمتع بعلاقات مهنية ممتازة، فقد جرت العادة أن تلجأ المؤسسات والشركات لتعيين المستشارين الأجانب لتنفيذ مشاريع معينة أو تأسيس إدارات جديدة يتم تلخيصها في عرض "بوربوينت" يحوي أكثر من 200 شريحة.
من وجهة نظرهم يتميز المستشار الأجنبي بخبرته الغنية في المجال ذي الصلة، حتى وإن لم يمتلكها فسوف يقنعك بأنه أذكى منك غالبًا، لكن تواجه المستشارين الأجانب جوانبُ مجتمعية وقانونية تشكل تحديات لهم كي يستطيعوا تحقيق النجاح المرجو منهم، إضافةً إلى تحديات أخرى عديدة، وعليه فإن المستشار الأجنبي سيُمضي نصف وقت المشروع ليتعرف على ثقافة المجتمع وقوانينه، فيكتشف وقتها أن خبرته وحدها ليست كافية في هذا المناخ، عندها سيحتاج لإيجاد حلول جديدة تستدعيه لخلق محتوى جديد لا يعتمد على نسخ تجاربة السابقة، عندها سيطلب المستشار تعيين مستشارين آخرين إذ إن المشروع الآن أصبح أصعب وأكبر مما كان يعتقد، وستبدأ كرة الثلج بالتدحرج لبناء ملف "البوربوينت" الذي سينتهي غالبًا في أحد الأدراج بلا خبرة أو ميزانية تكفي لتنفيذه.
تحكي إحدى الموظفات في شركة سعودية أنها بدأت العمل على مشروع في اختصاصها بالتعاون مع شركة أوروبية، تفاجأت بعد أن أنهت 90% من خطة التنفيذ بأن تعديلاً قد حدث في هيكلة إدارة الشركة ليخلق وظيفة جديدة؛ إذ عيّنت الشركة مديرًا جديدًا لهذه الوظيفة مما حال بينها وبين مديرها السابق/المباشر، كانت أولى قرارات المدير الجديد الإدارية تعيين مستشار ليقوم بتنفيذ المشروع الذي كادت هذه الموظفة أن تنهيه، متذرّعًا بضمان جودة المخرجات، فقام المستشار الذي تعيّن حديثًا بإعادة تكليف الشركة الأوروبية ذاتها لينهوا ما تبقى من المشروع.
يبدو أن بعض الموظفين السعوديون يعانون من متلازمة المستشار الأجنبي، فكل ما سبق من هذا المقال كان نقلًا للآراء عن المستشارين في المجتمع الوظيفي، ولكنّي أحمل رأيًا مختلفًا؛ نشهد اليوم تطورًا وطنيًّا سريعًا في كافة المجالات، أغلبها جديدة علينا، لذا فإن إنكار الواقع والرفض التام للمساعدة ليس الحل، من المنطقي أن نستعين بخبرات مَن سبقونا، فبهذا تكون التكلفة بقدر الفائدة، نحن لا ندفع ثمن المعلومة فقط، بل ندفع ثمن الوقت الذي لا نملكه لتحقيق اهدافنا، وخير مثال هو تجربة أرامكو الإدارية مع اختلاف الظروف المصاحبة.
قد يكون افضل تعبير عن المرحلة التي نعيشها اليوم ادارياً في المملكة بأننا "نبنى الجسور في طريقنا لعبورها."
تكمن المشكلة في إدارة المستشارين الأجانب وليست في تعيينهم من عدمه، والقيادي الناجح من يستعين بالمستشارين الأجانب على المدى القصير ليترك أثرًا على المدى البعيد، ولن يتحقق هذا بإنجاز المشروع فقط؛ بل بانتقال المعرفة لمن سيقومون بتنفيذ هذا المشروع والعمل عليه في السنوات القادمة؛ فالاستثمار في المستشار هو استثمار في الموظف السعودي، لذا يجب أن يكون من شروط تعيين المستشارين الأجانب أن يعملوا جنبًا إلى جنب مع الموظف السعودي، ويقدموا آلية واضحة لتنفيذ خطة نقل المعرفة (Knowledge Transfer Plan). اكتساب المعرفة (Know how) و توطينها، احد اسباب استقلالية المؤسسات السعودية وقيامها بذاتها في كافة القطاعات.