كان طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في (22 مارس) من مجلس الأمن ودول الخليج التدخل العسكري مصيرياً من أجل إنقاذ اليمن، وفي اليوم نفسه اجتمع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأشقائه الخليجيين ما عدا عُمان في قصر "العوجا" بالدرعية ذي الرمزية السياسية. في اليوم التالي (23 مارس) الأمير سعود الفيصل يقول أمام نظيره البريطاني فيليب هاموند إن الرياض مستعدة لأي إجراء لحماية المنطقة.. بعدها بساعات يصل وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان مركز العمليات المتقدم في الخوبة على بعد حوالي 100 كلم من صعدة، ويجتمع مع قائد المنطقة الجنوبية اللواء مطلق الأزيمع القائد السابق لقوات "درع الجزيرة" الذي قاد العمليات في البحرين إبان الفوضى التي رعتها إيران آنذاك في المنامة. في (24) مارس اجتمع مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف وحضور الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية والأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع واستعرض المجلس عدداً من مستجدات الأحداث الإقليمية والدولية، وعدداً من الأمور السياسية والأمنية واتخذ بشأنها "التوصيات اللازمة". بعدها بأربع وعشرين ساعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية يعطي الإذن ببدء عملية "عاصفة الحزم" ضد الانقلابيين في اليمن. كانت (48) ساعة الماضية حاسمة في استقرار المنطقة، أخذت المملكة زمام المبادرة من واقع دورها المحوري والقيادي في الشرق الأوسط، وقررت تشكيل ائتلاف دولي تقوده بنفسها، لإعادة الأمور إلى نصابها والقضاء على عربدة ميليشيا الحوثي وعلي عبدالله صالح المغطاة برداء إيراني فاضح. لقد تدهورت الأوضاع في اليمن بشكل دراماتيكي، وبدا المشهد مقلقاً ومخيفاً، ما حدا بالقوات البريطانية والأميركية المرابطة في اليمن لإخلاء مواقعها، بعد أن تنامى إلى علمها أن القاعدة - حليفة الدول الفوضوية - هرّبت مجموعة من سجنائها الخطرين القابعين في السجون اليمنية، بشكل يذكرنا تماماً بمسلسل هروب أعضاء هذا التنظيم الإرهابي من سجون العراق الذين نشروا الفوضى والقتل فيما بعد في سورية. لقد حظيت "عاصفة الحزم" بتأييد ومساندة إقليمية ودولية منذ البداية، إذ وضعت واشنطن قدراتها الاستخباراتية وخبراتها اللوجستية في خدمة هذه العملية العسكرية، كما حذت لندن حذوها وأيدت التدخل العسكري السعودي، ومثلها مصر وتركيا ودول إسلامية أخرى، كلها رأت أن هذه الحملة ستحقق غرضين: إعادة الاستقرار إلى اليمن، ومنع انزلاقه إلى أتون حرب أهلية ثالثة؛ من خلال تمكين الرئيس الشرعي المنتخب عبد ربه منصور هادي ممارسة مهامه في صنعاء، والقضاء على بوادر عودة الإرهاب والتيارات التكفيرية التي رأيناها تريق دماء المصلين في تفجير مسجدين بصنعاء الأسبوع الفائت. إن المسار الحقيقي الذي شهد توافق كل اليمنيين هو المسار الذي اختطته المبادرة الخليجية التي رسم اليمنيون من خلالها مستقبلهم السياسي، لولا الميليشيات التي أرادت فرض قرارها بإرهاب السلاح، بإيعازٍ من دول احترفت صناعة التوتر، ودأبت على زرع بذور الشقاق بين مكونات البلد الواحد. إن إيران في موقفها السلبي تجاه عملية "عاصفة الحزم" لا تفاجئ المملكة، والدول المشاركة في العملية، بل هي تثبت من خلال ذلك ضلوعها في اضطراب اليمن الذي يتلمس خطى الاستقرار.. ومهما كانت الجعجعة القادمة من طهران، فإن ذلك لا يزيد العاصفة إلا إصراراً على اقتلاع من يقف أمامها. *نقلا عن "الرياض"