بسرعة البرق و السهم و الطرف ، تعرضت الولايات المتحدة الامريكية هذا الأسبوع لقصفاتٍ مباغتةٍ شَلت الأدمغة قبل الأجهزة، وعطلت التفكير وحيرت التدبير، ولم يبالغ شهود الاهل الأمريكيين في مقاربتهم الهجمات السيبرانية التي لن تكون الأخيرة التي تتعرض لها القوة الأعظم في العالم، بأول صفعة يتعرض لها الإقليم الأمريكي في السابع من ديسمبر عام 1941 في "بيرهاربر".
فالحرب السيبرانية لا تقتصر أضرارها علي الدمارالمادي ،بل يتعدى ذلك ليمتد لإحداث الصدمة النفسية المعجزة و التي تُفاقم الأمر سوءا ، فتنتزع هذه الهجمات سواء تآمرت علي ارتكابها الدول الأعداء ، أو الكيانات من غير الدول ، أو الأفراد ، من العدو زمام المبادرة وحرية الحركة و سلطان الإرادة.
تتزامن هذه الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية مع خبرات و حراكات ومخاضات لم تُخَبَر بها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل ، فالتشظي في الروح الواحدة ظاهر ، والانقسام الخطير في الرؤي جَلي ً، فذهب البعض إلي أن هذه الفُرقة قد تذهب بالاتحاد حال تفاقمها، بل إن هناك من يتوقع إقدام الرئيس دونالد ترامب على فعل مثير وخطير قبل أن تنتهي ولايته، إن داخليا أو خارجيا .
تكمن أهمية تسليم المجرمين بوجه عام في حرمانهم من العثورعلي مأوي أمن للإفلات من الملاحقة الجنائية ، و في التعويض عن التفاوت في تطور أنظمة العدالة الجنائية ، كما يشكل اختلاف النظم التشريعية للدول التي تطمح الي تحقيق التعاون فيما بينها في مجال مجابهة الجرائم الإرهابية السيبرانية، عقبة كبيرة تحول في معظم الحالات عن تحقيق غايات وأهداف الدول خاصة عندما لا تواكب بعض الدول التطورات الهائلة الحاصلة في نوعية هذه الجرائم المعقدة ، بإصدارها التشريعات المتطورة التي تلاحق الثورة الكبيرة في مجال استخدام الحاسوب و شبكات المعلومات العالمية في ارتكاب جرائم الإرهاب السيبراني علي وجه الخصوص .
و تبرز هذه العقبة في حالات كثيرة حينما تكون التشريعات الجنائية الوطنية لبعض الدول قد سُنت بفترة طويلة قبل نشوء هذه الجرائم شديدة التعقيد وتكون الجرائم المشار إليها عصية الملاحقة في أحيان كثيرة بسبب ذلك القصور التشريعي ،وعدم مجابهة الأفعال التي يستحدثها مرتكبي الجرائم المعلوماتية و الإرهابية عن طريق شبكات المعلومات و أجهزة الحاسوب .
وتؤدي هذه الفجوة المشار إليها الي البطيء في التعاون القضائي الدولي في مجال مواكبة التطورات السريعة الحاصلة في الجريمة الإرهابية السيبرانية ، ايضا كثيرا ما يعيق التعاون القضائي بين الدول لمجابهة الجريمة السيبرانية ، اختلاف البيئات والعادات و التقاليد و الديانات و الثقافات من مجتمع لأخر ، و بالتالي اختلاف السياسات و انظم التشريعية من مجتمع لأخر ، فضلا عن اختلاف الدول في تحديد المصطلحات و تكييفها للجريمة السيبرانية ، و كل ما سبق ينعكس سلبا علي اجراءات التعاون الدولي، ويعيق من تأطير أليات التعاون القضائي المختلفة لمكافحة هذه الجريمة الخطيرة ، وهنا يفلت الجناة بجرائمهم من العقاب ، و تهدر حقوق الإنصاف و الجبر لضحايا الجرائم المعلوماتية و الارهاب السيبراني .
لذلك فعلي كافة الدول أن تأخذ بعين الاعتبار التداعيات السلبية التي تنشأ عن القصور التشريعي في مجال مجابهة ها النوع من الجرائم الخطيرة ، و تبادر من فورها بتجريم الأفعال الارهابية السيبرانية عن طريق اصدار التشريعات الوطنية الملائمة ، و التشريعات العقابية التي تسد الباب علي محاولات مرتكبي هذه الجرائم الإفلات من العقاب ، فضلا عن المراجعة و إعادة النظر في التشريعات المختلفة السارية في ذلك الصدد و تعديل ما تفرضه مستجدات التطور المتلاحقة و المستمرة للجرائم الإرهابية السيبرانية، و الأهم من ذلك تقنين تلك التشريعات في الاتفاقيات الدولية سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف .
فالتطور الهائل في استغلال الإرهابين لوسائل التقنية الحديثة و منها بالطبع شبكات المعلومات العالمية، ما فتئ يشكل تحديات ومشكلات جد عويصة لجهات وهيئات الإنفاذ القانون في الأساس، فأصبح عنصر "الدولية " مضافا أو مرادفا لمعظم الجرائم و هذا يعني أن الأليات البطيئة للتعاون الدولي في شأن ملاحقة الجرائم المعلوماتية و الإرهابية من شأنها أن تخرج التحقيقات الجنائية المتطلبة عن مسارها، أو يُعيقها في حالات أخرى.
لذلك وللتغلب علي ذلك العائق الرئيسي، يجب علي الدول أن تتفاوض فيما بينها من أجل عقد اتفاقيات دولية علي المستوي الإقليمي أو متعدد الاطراف ، تضع اطارا تنظيميا حاكما لمكافحة كل أشكال الجرائم المستحدثة و خاصة منها الجرائم المعلوماتية عابرة الحدود ، ثم تستقي منها التشريعات الوطنية الجديدة ، أو تُنقح تشريعاتها الموجودة بالفعل علي هدي من هذه الاتفاقيات الدولية التي تم ابرامها .