يكمن القلق الكبير الذي يضعنا على المحك في التوفر المحلي لمن يصدر صك التكفير ويملك الجرأة المتهورة على إصداره، من دون أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من الطريق الذي يذهب بنا إليه، التفوه بالتكفير فعل مختل يثبت أن الأرضية التي ينطلق منها المتفوه أرضية هشة وتعاني كثيراً في سبيل الرغبة المتسرعة للحضور في ميادين الضوء والشهرة والشعبية الاجتماعية المتلذذة بعدم الفهم والخالدة للراحة والنوم في ما لو قام عنها أحدٌ بهذه المهمة. مبتلون بفئة لم تتفاعل مع جراحٍ دامية ومخاطر خانقة وملفات مستنزفة والتزمت الصمت عندها أو سلكت حيل التبرير المبطن، هذه الفئة يرتدي عباءتها الذين لا يؤمنون بأن الدين المعاملة، يحبون أن يقال عن أحدهم «رجل دين» - مع تحفظي على هذه المسمى - وهو يوزع التهم والتصنيفات ويرمي الآخرين لمجرد الاختلاف معهم، بل يقذفهم بعبارات تتساءل عن سر إطلاقها ولماذا تكون نابية وخارجة عن حدود اللباقة والأدب فيما هي مقبولة ومباحة إن خرجت من ألسنتهم، استغرب بحق أن يتحدث أحدهم بوصفه «متديناً» وسيد منبر ودارس للشريعة فيرمي على من يختلف معه أوصافاً مثل: «ليبرالي، منحل، جامي، رافضي، شاذ»، وما زاد عنها من العبارات التي تُخْجِل كتابتها فماذا عن النطق بها! ثم يريد من المجتمع أن يبارك خُطَاه ويتفاءل بمستقبله، ويتعاطف معه، ويظن فيه الخير والصلاح، ويثق في خوفه وتفكيره وضميره. لا أثق مطلقاً في من لم يكن لسانه مستقيماً متزناً في حالات الخلاف، لأن استعادة أحاديث الشوارع والانفعال الزائد عن الحد دليل صريح في أن الصراخ على قدر الألم، هناك فارق رهيب جداً بين أن نتمزق على الدين وأن نتمزق من أجل رجال الدين، ومن الغرور القاتل الذاهب بنا لممرات الظلام وطرق المجهول أن تذهب فئة لحدود التعالي والغرور حين لا تفرق بين ذاتها ودينها، أقف ضد من يكره صفة المتدين، لكني أقف ضد من يرتدي عباءة الدين للمرور إلى بوابات الاستغلال والاتّجار والتطرف والتكفير والتشدد والوصاية على الناس، ما نحتاجه بالضبط أن نعترف ما إذا كانت هناك مشاريع مستترة ضالة لاستغلال مكان واستثمار أفراد والعبث بالدين؟ وهل الفكر المتطرف والتكفيري سهل الاكتشاف لمجرد دقائق عرض كانت تبوح بحالات لم تكن من نسج الخيال، بل من رصيد الواقع المسكوت عنه؟ غضبنا عاطفي، وتفاعلنا على ما يقال وما ينقل وما نسمع عنه، لم نقف للحظة صادقة تجاه التهور في تقديم الدين أو الدفاع عنه بناء على الكاريزما لا السلوك، ما فعلته ساعة واحدة بشاشة التلفاز وقدرتها على إشعال المجتمع وتقسيمه لفريقين واثقين في ما بين أيديهم من صور الضبط ولوائح الاتهام وفلتات اللسان يشرح كيف أننا مهووسون في المصارعة الحرة على القشور، فيما الحلبة تئن بالمرضى على اختلاف درجاتهم، وإن كان مرضى التلون والنفاق والبذاءة والتكفير أخطرهم على الإطلاق.