قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن حوار خليجي إيراني، كشفت الكويت عن خلية إرهابية متهمة بالارتباط بحزب الله، ونقلت ترسانة الأسلحة التي بحوزتها عن طريق إيران. وأثناء تصريحات وزير الخارجية الإيراني بشأن رؤيته للعلاقات مع جيرانه الخليجيين، أعلنت البحرين عن نتائج التحقيقات فيما يعرف بحادث «سترة» الذي تسبب في مقتل رجلي شرطة وإصابة ستة، وارتباط التفجير بالحرس الثوري الإيراني. هاتان الحادثتان الإرهابيتان ليستا أول حادثتين موجهتين من إيران ووكلائها بالمنطقة ضد دول الخليج، لكنهما تزامنتا مع الدعوة الحميمية الإيرانية للحوار، كما أنهما تعطيان مؤشرًا واضحًا على الفرق بين الحقائق والوقائع والأفعال من جهة والأقوال من جهة ثانية. وكما يردد الساسة دائمًا: في السياسة لا مصالح دائمة كما لا صداقة دائمة. عدوي قد يتحول إلى صديقي إذا جمعتنا المصالح، و«شقيقي» قد يصبح خصمي إذا استمر في ترصد العداء لي. وفي الشأن الإيراني لا ضير من الحوار الخليجي مع إيران، إذا كان ذلك سينتج استقرارًا للمنطقة وينزع أدوات التوتر في الخليج العربي. المشكلة الكبرى أن أي حوار في العالم ليس غاية بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة. من يرصد سياسة طهران يعي أنها بإصرارها على مثل هذا الحوار تريد أن تستخدمه كأداة ضغط وغطاء أمام العالم، بالمقابل تتوقع دول الخليج من هذا الحوار أن يفضي إلى تخفيف الاحتقان. ويقلل، ولا أقول ينهي، تدخل إيران في الشؤون الداخلية. في النهاية، ستستمر إيران في تسويف هذا الحوار بيد، وتفاوض على تدخلاتها وشغبها وسياستها العدوانية باليد الأخرى. ستستغل إيران أيضًا حوارها مع دول الخليج لتقول للعالم: لا تصدقوا ما تسمعونه عن تدخلاتنا في شؤون جيراننا، علاقتنا على ما يرام وها نحن جيران ونتحاور. أكرر مجددًا.. مخطئ من يظن أن مبدأ الحوار مرفوض مع إيران، بالعكس لا أحَب للدول الخليجية وشعوبها من أن تتحسن علاقتهم مع جارتهم على الضفة الشرقية من الخليج العربي، الكارثة الكبرى أن من يفترض أنها جارة لم تترك مناسبة لم تستغلها لتؤكد، بالدلائل والبراهين، مرة تلو أخرى، أنها أخطر على المنطقة من أي أعداء آخرين، حتى عندما زعمت الحرب على إرهاب «داعش»، شاركت في تأسيس ميليشيا الحشد الشعبي، نمنا على ميليشيا طائفية «داعش» الإرهابية، لنصحو على ميليشيا طائفية إرهابية أخرى موازية لها، كل ذلك في سبيل سعي إيران للوصول لأحد أهم أهدافها الاستراتيجية، وهو ربط بري بينها وبين البحر المتوسط، عبر العراق وسوريا ولبنان، وسعيًا لهذه الغاية ستقاتل إيران لتحقيقها ولا يمنع أن يكون الحوار مع دول الخليج مظلة لتنفيذها. التسويف والمماطلة سياسة أثبت الإيرانيون براعتهم بتفاصيلها، فهم لا يفاوضون على المبادئ بل على الأمر الواقع وما تحقق على الأرض. في عام 2003 اكتشف الغرب أن إيران تخصب اليورانيوم ورفض ذلك بشكل مطلق، واستمرت إيران في التفاوض حتى أقنعت دول 5+1 بأن تخفض نسبة التخصيب من 20 % إلى 5 % أي أنها حققت مرادها في مبدأ التخصيب. في حوارها القادم مع دول الخليج لن تتوانى طهران عن فعل المستحيل لتمرير مشروعها بكافة تفاصيله، وستتحاور لا على مبادئ السياسة الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإنما على سياسة الأمر الواقع ومكاسبها في العراق وسوريا ولبنان، وبالتالي التفاوض يبدأ من هنا، لينتهي الحوار وأدوات ووكلاء إيران تضخمًا، وبلغت حدًا أكبر مما هي عليه، وفي أسوأ الأحوال كما هي عليه الآن. تخيلوا، إيران تحاور وتزعم حسن نواياها، بينما حزب الله والحرس الثوري يقاتلان في سوريا، ووكيلها الحوثي يقاتل في اليمن، والحشد الشعبي الطائفي يواصل انتهاكاته في العراق، وأخيرًا الكويت تلقي القبض على خلية وتصادر ترسانة ضخمة من الأسلحة كانت بحوزتها قادمة من إيران. من يدري ربما أرضية الحوار مع إيران تتطلب أن لا يجري إلا على وقع 56 قذيفة «آر بي جي» ضبطت على أراضي الكويت!