في روايته «ليس لدى الجنرال من يراسله» (أو يكاتبه كما في ترجمة أخرى) للعبقري جارسيا ماركيز تلوح ظلال كل جنرالات الجيوش القابعين على كراسيهم في أنظار من يكاتبهم، هم لن يكاتبهم أحد وهم لن يكاتبوا أحداً، سيظلون كجنرال ماركيز في الرواية يرتدون بدلاتهم ونياشينهم وأحذيتهم عالية الكعب كل صباح ويتجهون إلى مكتب البريد أو مسؤول التشريفات أو ضباط الاستخبارات، المهم أن يعرفوا فيما إذا كانت الرسالة التي ينتظرونها وصلت أم لا، الرسالة لن تصل أبداً كما يبدو وكما كان من أمر الجنرال في الرواية، وسينتهي الأمر به إلى الجلوس على كرسيه يقطع الفاكهة ويطعمها للديك العجوز! بعض حكام العرب كالجنرال وهؤلاء يستحقون الرثاء وبعضهم كديك الجنرال وهؤلاء يستحقون اللعنة، ليس للجنرال من يكاتبه في أمر الرسالة التي ظل ينتظرها 15 عاماً فيما يخص معاشه التقاعدي الذي يحتاجه ليتمكن من الإنفاق على نفسه وعلى زوجته العجوز، مع ذلك فان هذا الجنرال يعتني بديك ورثه عن ابنه ويظل يطعمه طوال السنوات، التي يتردد فيها على مكتب البريد كل يوم، لقد استهلك الديك موارد العجوزين على أمل أن يتمكن من إدخاله في إحدى حلبات مصارعة الديكة فينتصر في المعركة وهنا يرتفع ثمنه ويبيعه ليعتاش بالمال ثلاث سنوات على الأقل.. أي مفارقة!! هنالك جنرالات عاشوا وانتفخوا وتمددوا على حساب شعوبهم دون أن يقدموا لها سوى الفقر، والمجاعات والحروب والمنفى، ودون أن يدخلوا معركة واحدة يربحها فتعلو نظرة شعوبهم لهم، أو يصبح لهم قيمة تذكر، لا شيء مجرد جنرالات ترتدي بدلاتها الأنيقة وأحذيتها الضخمة اللامعة ونياشينها وتخرج لتتفقد حقوقها الوهمية التي لا تحصدها إلا بحصد أرواح الناس، وحين لا يجدون شيئاً يحيطون انفسهم بالعزلة والعنجهية والمرتزقة ويستمرون في أوهامهم يقطعون الفاكهة للديكة ويلعبون مع أولادهم الذين كالدمى بينما أولاد الناس يموتون في بحار مظلمة وتطفوا أجسادهم على الشطآن البعيدة.. بينما الجنرال مصر على الذهاب لمكتب البريد يسأل عن معاشه التقاعدي وحقوقه التي سرقها ذلك الطفل قبل أن يموت! لن يكون لدى الجنرال من يراسله وسينتهي كذلك الطفل بعيداً وكسيراً، ولكن ليس شهيداً حتما، فالشهادة لا تليق بالجنرال الذي لا يجد من يراسله، سينتهي غريقاً وحريقاً، ولن يجد من يسعفه هذه المرة ويرتق حروقه ويعيده لقصره فلا قصر يليق بهذا الجنرال بعد ذلك!